خلق كلّ واحد منكم من نفس واحدة ، وجعل من جنسها زوجها إنسانا يساويها في الإنسانيّة ، فلمّا تغشّى الزّوج زوجته وظهر الحمل دعا الزّوج والزّوجة ربّهما : لئن آتيتنا ولدا صالحا سويّا لنكوننّ من الشّاكرين لآلائك ونعمائك ، فلمّا آتاهما الله ولدا صالحا سويا ، جعل الزوج والزّوجة لله شركاء فيما آتاهما ، فتارة ينسبون هذا الولد إلى الطّبائع كقول الطبائعيّين ، وتارة إلى الكواكب كما هو قول المنجّمين ، وتارة إلى الأصنام كما هو قول عبدة الأصنام ، ثمّ قال تعالى : ﴿فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي تنزّه الله عن ذلك الشّرك (١) .
وقيل : إن المراد من النفس الواحدة وزوجها غير آدم وحوّاء ، بل المراد منها قصيّ ، والخطاب لقريش الذين كانوا في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وجعل من جنسها زوجها قرشية ليسكن إليها ، فلمّا آتاهما ما طلبا من الولد الصّالح السويّ جعلا له شركاء فيما آتاهما ، حيث سمّيا أولادهما الأربعة بعبد مناف وعبد العزّى وعبد قصي وعبد اللّات ، وجعل الضمير في ( يشركون ) لهما ولأعقابهما الذين اقتدوا بهما في الشّرك (٢) .
وفيه : أنّ آباء النبيّ صلىاللهعليهوآله كلّهم كانوا موحّدين.
﴿أَ يُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١)﴾
ثمّ وبّخ الله المشركين على عبادة الجماد العاجز من كلّ شيء بقوله : ﴿أَ يُشْرِكُونَ﴾ هؤلاء الجهّال بالله في الالوهيّة والعبادة ﴿ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً﴾ من الأشياء ولو كان في غاية القلّة والحقارة ، مع أنّ المستحقّ للعبادة لا بدّ أن يكون خالق عابده.
ثمّ أكّد عدم استحقاق الأصنام للعبادة بقوله : ﴿وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ بقدرة الغير ، والمخلوقيّة في غاية المباينة مع الالوهيّة واستحقاق العبادة.
قيل : إن إتيان الضمير الراجع إلى العقلاء للأصنام إنّما هو باعتقاد المشركين ، فإنهم كانوا يصوّرونها بصورة العقلاء ويزعمون أنّها تدرك وتشعر.
﴿وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا
يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (١٩٢) و (١٩٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد سلب القدرة على الخلق عنها ، نفى عنها القدرة على إيصال النّفع لعبدتها بقوله:
__________________
(١) تفسير الرازي ١٥ : ٨٧.
(٢) تفسير الرازي ١٥ : ٨٧.