وقيل : يعني بعضها متشابه ، وبعضها غير متشابه ، مع أنّ جميع القطعات والجنّات والزّرع والنخيل ﴿يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ﴾(١) وتنبت الزروع والأشجار في أرض واحدة.
روى العلامة في ( نهج الحق ) عن جابر ، وقال القاضي في ( إحقاق الحق ) : أنّ في ( كشف الغمة ) نقلا عن الحافظ أبي بكر بن مردويه ، عن جابر ، أنّه سمع النبيّ صلىاللهعليهوآله يقول : « النّاس من شجر شتّى ، وأنا وأنت يا عليّ من شجرة واحدة » ثمّ قرأ النبيّ صلىاللهعليهوآله الآية (٢) .
﴿وَ﴾ بعد ذلك ﴿نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ﴾ آخر ﴿فِي الْأُكُلِ﴾ والثمر من حيث المقدار والشّكل والطعم واللون والرائحة والخواصّ ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ الاختلاف بين القطع المتجاورة من الأرض وبين الأشجار المتّحدة في المنبت والهواء والماء وإشراق الشمس ﴿لَآياتٍ﴾ واضحة وأدلّة قاطعة على وجود الصانع القادر الحكيم ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ من غير حاجة إلى التفكّر.
﴿وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذا كُنَّا تُراباً أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ
كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها
خالِدُونَ (٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إثبات قدرته المستلزمة لعدم عجزه عن إعادة الخلق للحساب وحكمته الملازمة لتنزّهه عن العبث ، أظهر غاية التعجّب من قول منكري المعاد بقوله : ﴿وَإِنْ تَعْجَبْ﴾ يا محمّد ، أو أيّها الانسان من شيء في العالم ومن عجائب الدهر ﴿فَعَجَبٌ﴾ كلّ العجب ﴿قَوْلُهُمْ﴾ استبعادا للبعث : ﴿أَإِذا كُنَّا﴾ بعد الموت ﴿تُراباً﴾ نبعث ؟ !
ثمّ أكّدوا الانكار وقالوا : ﴿أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ ونحيى مرّة اخرى بعود أجسادنا وعود أرواحنا إليها ، مع أنّ الله خلقهم أولا بلا مثال من تراب أو من نطفة ، ومن الواضح أنّ خلقهم ثانيا من التراب أهون ﴿أُولئِكَ﴾ المنكرون للمعاد هم ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ﴾ حيث أنكروا قدرته وحكمته وكذّبوا وعده ﴿وَأُولئِكَ﴾ تجعل ﴿الْأَغْلالُ﴾ يوم القيامة ﴿فِي أَعْناقِهِمْ﴾ ويسحبون في السلاسل.
وقيل : إنّ المعنى أنّ الكفر كالاغلال التي في الأعناق ملازم لهم (٣)﴿وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٣٤٢.
(٢) نهج الحق وكشف الصدق : ١٩٥ ، إحقاق الحق ٣ : ٣٦٠ ، كشف الغمة ١ : ٣١٦.
(٣) مجمع البيان ٦ : ٤٢٦ ، تفسير روح البيان ٤ : ٣٤٣.