وانشعاب المسالك والفجاج للماشين في مناكبها وانفجار العيون ، وتكوّن المعادن فيها ، وخروج النباتات الكثيرة النافعة منها.
وأمّا الجبال فمن حيث رسوّها وعلوّها ، وخروج النباتات والمعادن والمياه الكثيرة منها ، وغيرها من منافعها التي لا تحصى.
وأمّا الأنهار فمن حيث كثرة منافعها وحياة الأرض وما عليها بها ، وحصولها في بعض الأمكنة دون بعض.
وأمّا الثّمار فمن حيث كثرة أنواعها ، واختلاف مقاديرها وألوانها وطعومها ، وصلابتها ولطافتها ، ومنافعها وخواصها وروائحها ، واختلاف قشورها في الكثرة والقلّة والغلظة والرّقّة والخاصية ، واختلاف طبائع أجزاء كلّ منها من قشره ولحمه وعجمه (١) ومائه ، مع تكوّن مجموعها ومجموع شجرها من حبّة واحدة وماء واحد وأرض واحدة وهواء واحد وإشراق شمس واحدة.
وأمّا الليل والنهار فمن حيث كثرة فوائدهما وكثرة اختلافهما في الفصول الأربعة في الطول والقصر.
والحاصل أنّ الناظر في تلك الآيات بعين الاعتبار ، يرى وحدة مدبّرها وقدرته وحكمته.
﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ
صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ
لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في الاستدلال بالآيات الأرضية بقوله : ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ﴾ وبقاع متلاصقات مختلفات في الصلابة والرّخاوة ، والارتفاع والانخفاض ، وكثرة النباتات (٢) وقلّتها ، وقابلية الزّرع وعدمها ، وصلاحيتها العامة [ لإنبات ] الأشجار بعضها دون بعض وعدم صلوحها لها بالكلية ، وأمثالها. ولو لم يكن ذلك الاختلاف بارادة القادر الحكيم ، لامتنع تحقّقه لاشتراك القطعات في الجسمية والأرضية.
﴿وَ﴾ فيها ﴿جَنَّاتٌ﴾ وبساتين كثيرة ﴿مِنْ أَعْنابٍ﴾ مختلفة بالصّنف واللّون ﴿وَ﴾ منها ﴿زَرْعٌ﴾ مختلف ألوانه وصنوفه ﴿وَنَخِيلٌ﴾ مختلف بالصّنف بعضها ﴿صِنْوانٌ﴾ ونخل له ساقان أو أكثر على أصل واحد ﴿وَ﴾ بعضها ﴿غَيْرُ صِنْوانٍ﴾ ونخل له ساق واحد.
__________________
(١) العجم : جمع عجمة ، وهو نوى كلّ شيء كالزّبيب والرّمان والبلح وغيرها.
(٢) في النسخة : النبات.