﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ
لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد حكاية إنكارهم البعث حكى استهزاءهم بوعدهم النبيّ صلىاللهعليهوآله بالعذاب الدنيوي بقوله : ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ﴾ ويطالبونك أن تسرع إليهم ﴿بِالسَّيِّئَةِ﴾ والعذاب الدنيوي الذي تعدهم ﴿قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ وانقضاء مدّة العافية والإمهال.
قيل : إنّ النبي صلىاللهعليهوآله كلّما هدّد المشركين بعذاب القيامة أنكروا البعث ، وكلّما هدّدهم بعذاب الدنيا استعجلوه وقالوا : متى يجيئنا ؟ استهزاء وسخرية ، فيطلبون العذاب بدل العافية والرحمة (١) .
ثمّ ردّهم سبحانه بقوله : ﴿وَقَدْ خَلَتْ﴾ ومضت ﴿مِنْ قَبْلِهِمُ﴾ وفي الأزمنة السابقة على وجودهم ﴿الْمَثُلاتُ﴾ والعقوبات التي صارت مثلا ، ونزلت على أمثالهم ، وبقيت آثارها ، فكيف لا يعتبرون بها مع اطّلاعهم عليها ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ﴾ لا يعاجل في إهلاكهم ، لكونه تعالى والله (٢)﴿لَذُو مَغْفِرَةٍ﴾ وتجاوز ﴿لِلنَّاسِ﴾ مع إصرارهم ﴿عَلى ظُلْمِهِمْ﴾ وعصيانهم ، وتماديهم في طغيانهم ، وإلّا لما بقي على ظهر الأرض من دابة ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ﴾ إذا حان حين العقوبة ، واقتضت حكمته تعذيبهم البتّة ﴿لَشَدِيدُ الْعِقابِ﴾ والعذاب.
﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ
هادٍ (٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد حكاية إنكار المشركين البعث ونبوة النبيّ صلىاللهعليهوآله واستهزائهم به ، حكى تعنّتهم عليه بقوله : ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ﴾ اخرى ومعجزة باهرة زائدة على ما أتى بها من القرآن ، ونبوع الماء من أصابعه ، وحنين الجذع لفراقه ، وتسبيح الحصاة في كفّه ونظائرها ﴿مِنْ رَبِّهِ﴾
ثمّ ردّهم سبحانه بقوله : ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ﴾ وواعظ لهم ومبيّن لهم المعارف ، من توحيد الله وقدرته وحكمته وكمال صفاته ، ومعلّم لهم أحكام الاسلام وشرائعه ، وآت بما يثبت صدق دعواك من المعجزات ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ﴾ في الأعصار السابقة ﴿هادٍ﴾ من قبل الله ومنذر لهم مثلك ، ولم يأتوا من المعجزات إلّا مقدارا كافيا في إثبات نبوّتهم ، وإن كان قومهم تعنّتوا عليهم ، وإنّما اللازم على الله إتمام الحجة وإعطاء النبيّ ما يثبت نبوّته ، ولا يحسن منه إجابة المتعنّت لانجرارها إلى ما لا نهاية له ، أو أخذهم بعذاب الاستئصال ، وليس عليك إلّا البلاغ ، فلا يضيق صدرك بما يقولون.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٣٤٤.
(٢) كذا ، ولا محلّ للقسم في الآية.