ومن عليها.
قيل : إنّ الأبخرة تتصاعد من قعر الأرض فتقبل إلى الجبل فتحتبس ، فلا تزال تتناسب فتقلب ماء حتّى تحصل مياه عظيمة ، ثمّ لكثرتها وقوّتها تثقب الجبل ، وتسيل على الأرض (١) .
وقيل : إنّ الله ينزل الأمطار والثلوج فتشربها الأرض ، فتجتمع المياه الكثيرة في عروقها ، ثمّ تنشقّ عنها في المكان الذي تؤمر بالانشقاق ، فيه فتظهر على وجه الأرض (٢) .
وقيل : إنّ الله ينزل الأمطار والثلوج لانتفاع الخلق ، والملك الموكّل بالمياه ميكائيل وأعوانه (٣) .
أقول : الظاهر أن تكوّن الماء في الأرض يكون بكلّ واحد من السببين ، ولا ينحصر بأحدهما.
قيل : إنّ الأنهار العظيمة في الدنيا خمسة : الفرات ، ودجلة ، وسيحون بالهند ، وجيحون ببلخ ، والنيّل بمصر (٤) .
ثمّ استدلّ سبحانه بالنباتات المتولّدة من الأرض والماء بقوله : ﴿وَمِنْ كُلِ﴾ نوع من ﴿الثَّمَراتِ﴾ كالتّمر والعنب والمشمش والخوخ ونظائرها ﴿جَعَلَ﴾ سبحانه وخلق ﴿فِيها﴾ بفضله ﴿زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ وصنفين مختلفين بالطبع كالحارّ والبارد ، أو بالطعم كالحلو والحامض ، أو باللون كالأبيض والأحمر.
قيل : إنّ الله خلق من كلّ نوع في بدو الخلق اثنين لا أقلّ ولا أزيد ، كما خلق من نوع الانسان اثنين آدم وحوّاء ، فكذلك القول في جميع الأشجار والزروع (٥) .
ثمّ لمّا كان الليل والنهار موجودين بحركة السماوات والشّمس ، وبهما وبتعاقبهما يتمّ النظام ويكمل الإنعام ، استدلّ سبحانه بهما على قدرته وحكمته بقوله : ﴿يُغْشِي﴾ ويستر الله ﴿اللَّيْلَ﴾ وظلمته ﴿النَّهارَ﴾ أو يلبس ظلمة الليل ضياء النهار فتذهب به.
ثمّ لمّا كان بعض الناس يسندون الحوادث إلى الاختلافات الحاصلة في أشكال الكواكب من غير تفكّر ، نبّه سبحانه بقوله : ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من الحوادث ﴿لَآياتٍ﴾ عظيمة ودلالات واضحة على وحدانية الصانع وقدرته وحكمته ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فيها حقّ التفكّر ، لا لمن لا فكر له ولا تأمّل ، وفيه دلالة على وجوب التفكّر فيها ، فانّ من نظر إلى فوائدها ومصالحها والحكم التي اعملت فيها ، لا مناصّ له من الإذعان بوجود صانع قادر واحد حكيم.
أمّا الأرض فمن حيث امتدادها ورخاوتها وملائمة طبعها لما عليها ، وكونها كالبساط لساكنيها ،
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٣٣٨.
( ٢و٤ ) تفسير روح البيان ٤ : ٣٣٨.
(٥) تفسير الرازي ١٩ : ٥.