عن ابن عبّاس : للشمس مائة وثمانون منزلا (١) ، فالمراد ب ﴿كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ هذا.
﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ في عالم الوجود وينظّمه ، بأن يعطي كلّ موجود من المجرّدات والماديات والروحانيات والجسمانيات ما يحتاج إليه في بقائه وكماله ، ويخصّص كلا منهما بوضع وموضع وصفة وحلية مناسبة له ، وينظّم الدنيا بالايجاد والاعدام ، والإمانة والإحياء ، والإغناء والإفقار وغيرها ، ولا يشغله شأن عن شأن ، فانظروا - أيّها العقلاء - كيف بلطفه ﴿يُفَصِّلُ الْآياتِ﴾ ويبيّن الدلائل على وحدانيته وكمال قدرته وحكمته وسائر صفاته ﴿لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ﴾ والحضور في القيامة عند مدبّر اموركم ﴿تُوقِنُونَ﴾ فانّ اليقين بكمال قدرته وحكمته الموجبة لتنزّهه عن اللغو والعبث ، مستلزم لليقين بإعادة الخلق للحساب وجزاء الأعمال.
﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ
فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد الاستدلال بالآيات السماوية ، استدلّ بالآيات الأرضية بقوله : ﴿وَهُوَ﴾ الواحد القادر ﴿الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ﴾ وبسطها من تحت الكعبة يوم دحو الأرض على الماء ، لتثبت عليها الأقدام ، ويعيش عليها الانسان ، وينقلب فيها الحيوان. ثمّ كانت تكفأ بأهلها كما تكفأ السفينة ، فأثقلها بأن خلق ﴿وَجَعَلَ فِيها﴾ بقدرته جبالا ﴿رَواسِيَ﴾ وثوابت كالأوتاد لها ، تمنعها عن الاضطراب والانكفاء.
وقيل : كان اضطرابها من مهابة الله وعظمته (٢) .
قيل : إنّ الله خلق الماء ، فأرسل عليه ريحا هفّافة ، فصفقت الريح الماء ، وضرب بعضه ببعض ، فأبرز منه حجارة في موضع الكعبة كأنّها قبّة ، فبسط سبحانه من ذلك الموضع جميع الأرض طولا وعرضا(٣) .
وعن ابن عباس : أوّل جبل وضع على الأرض أبو قبيس (٤) .
وقيل : أفضل الجبال جبل أحد ، لقوله صلىاللهعليهوآله : « احد يحبّنا ونحبّه » (٥) .
ثمّ لمّا كانت الأنهار متولدة من الجبال ، أردفها بذكرها بقوله : ﴿وَأَنْهاراً﴾ جارية كثيرة لحياة الأرض
__________________
(١) تفسير الرازي ١٨ : ٢٣٣.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٣٣٨.
(٣) تفسير روح البيان ٤ : ٣٣٧.
(٤) تفسير روح البيان ٤ : ٣٣٨ ، وأبو قبيس : جبل مشرف على مسجد مكة.
(٥) تفسير روح البيان ٤ : ٣٣٨.