المتّبعون للشهوات ﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ به بغيا وحسدا واستكبارا وعنادا.
﴿اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ
الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ
بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢)﴾
ثمّ أنه تعالى بعد ذمّ الأكثر بعدم الايمان بالكتاب وما فيه ، وكان أهمّ ما فيه الدعوة إلى التوحيد والمعاد ، [ شرع ] في الاستدلال عليهما بقوله : ﴿اللهُ﴾ والمعبود بالاستحقاق هو القادر ﴿الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ﴾ على الأرض مسيرة خمسمائة عام على ما قيل (١) ، بقدرته القاهرة ﴿بِغَيْرِ عَمَدٍ﴾ واسطوانة مع غاية عظمة أجرامها ، وأنتم ﴿تَرَوْنَها﴾ مرفوعة بلا عمد ، فلولا قدرة الله القاهرة لا ستحال رفعها وإبقاؤها مرفوعة بلا عمد.
وقيل : إنّ ﴿تَرَوْنَها﴾ صفة للعمد ، والضمير راجع إليها ، والمعنى أنّه تعالى رفع السماوات بغير عمد مرئية (٢) .
وعن الرضا عليهالسلام « فثمّ عمد ، ولكن لا ترونها » (٣) .
ويمكن أنّ يراد بالعمد غير المرئية قدرة الله تعالى. وقيل : إنّها معتمدة على جبل قاف ، وهو جبل من زبرجد محيط بالدنيا ولا يراه أحد (٤) ، وعليه يكون الاستدلال برفعه ووضعه على الجبل لوضوح عدم اقتضاء طبيعتها الرفع والوضع ، وإلّا لاشتركت الأجسام فيها لاشتراك جميعها في مقتضيات الطبيعة ، ويمكن أن يكون عمدها كونها كروية ، فإنّ كلّ جزء من الكرة معتمد على الأجزاء الاخر.
﴿ثُمَّ اسْتَوى﴾ سبحانه ﴿عَلَى الْعَرْشِ﴾ واستولى على عالم الوجود بالقدرة والقهر والعلم والتدبير والحفظ ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ مع عظم جرمهما تحت قدرته بأن سيّرهما بكيفية خاصة بارادته ، فلولا كونهما مقهورين تحت إرادة القادر لا متنع اختصاصهما بالحركة دون السكون ، واختصاص ﴿كُلٌ﴾ منهما بحركة خاصة ، وكلّ منهما ﴿يَجْرِي﴾ ويسير ﴿لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ وإلى مدّة معينة ، تتمّ فيها أدوارهما.
قيل : هي القيامة التي تكوّر فيها الشمس ، وتتكدّر فيها النجوم (٥) ، وحينئذ تنقطع حركتهما ، وينقضي سيرهما.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٣٣٥.
(٢) تفسير الرازي ١٨ : ٢٣٢.
(٣) تفسير العياشي ٢ : ٣٧٨ / ٢١٨٢ ، تفسير القمي ٢ : ٣٢٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٥٦.
(٤) تفسير الرازي ١٨ : ٢٣٢.
(٥) مجمع البيان ٦ : ٤٢١.