فقلت : يا إخوتي ، اتّقوا الله ولا تجرّدوني ، فسلّوا عليّ السكّين وقالوا : لئن لم تنزع لنذبحنّك ، فنزعت القميص وألقوني في الجبّ عريانا. قال : فشهق يعقوب شهقة وأغمي عليه ، فلمّا أفاق قال : يا بنيّ حدّثني. قال : يا أبه أسألك بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلّا أعفيتني ، فأعفاه » (١) .
وروي أنّ يوسف قال ليعقوب : [ يا أبه ] لا تسألني عن صنيع إخوتي ، واسألني عن صنيع الله بي(٢) .
روي أنّ يوسف أخذ بيد يعقوب فطاف به في خزائنه ، فأدخله في خزائن الورق (٣) والذهب ، وخزائن الحليّ ، وخزائن الثياب ، وخزائن السلاح وغير ذلك ، فلمّا أدخله في خزائن القراطيس - وهو أول من عملها - قال يعقوب : يا بنيّ ، ما أعقّك (٤) ! عندك هذه القراطيس وما كتبت إليّ على ثماني مراحل ؟ ! قال : أمرني جبرئيل. قال : أو ما تسأله ؟ قال : أنت أبسط إليه منّي فاسأله. قال جبرئيل : الله أمرني بذلك لقولك : إني ﴿أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ﴾ قال : فهلا خفتني (٥) ؟
قيل : لمّا قدم يعقوب على يوسف وقد سأله أولاده أن يستغفر لهم قام في مصلاه إلى الصلاة في السحر ليلة الجمعة ، وكانت ليلة عاشوراء ، فلمّا فرغ رفع يديه وقال : اللهم اغفر جزعي على يوسف وقلّه صبري عنه واغفر لولدي ما أتوا به أخاهم. وقام يوسف خلفه يؤمّن ، وقام إخوته خلفهما خاشعين ، فأوحى الله إليه : أنّ الله قد غفر لك ولهم أجمعين ، ثمّ لم يزل يدعو لهم كلّ ليلة جمعة مائة و(٦) نيف وعشرين سنة إلى أن حضرته الوفاة (٧) .
قيل : ولد ليوسف من راعيل الملقّبة بزليخا افرائيم وميشا وحمة امرأة أيوب ، وولد لافرائيم نون ، ولنون يوشع فتى موسى ، فلمّا نزل يعقوب في قصر يوسف جاء أولاد يوسف فوقفوا بين يدي يعقوب ، ففّرح بهم وقبّلهم ، وحدّثه يوسف بحديثه مع زليخا ، وما كان بينه وبين زليخا (٨) ، وأخبره أنّ هؤلاء أولاده منها ، فدعاها (٩) يعقوب ، فحضرت وقبّلت يده ، وسالته زليخا أن ينزل عندها ، فقال : لا أرضى بزينتكم هذه ، ولكن اصنعوا لي عريشا من البردي والقصب مثل عريشي بأرض كنعان ، فصنعوا له عريشا كما أراد ونزل فيه في أتمّ سرور (١٠) .
وروي أن يعقوب أقام مع يوسف مائة وسبعا - أو أربعا - وعشرين سنة (١١) ، وأوصى أن يدفنه
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٣٥٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٩.
(٢) مجمع البيان ٥ : ٤٠٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٥٠.
(٣) الورق : الفضّة.
(٤) في تفسير الرازي : ما أغفلك.
(٥) تفسير الرازي ١٨ : ٢١٦ ، تفسير روح البيان ٤ : ٣٢٣.
(٦) في تفسير روح البيان : جمعة في.
(٧) تفسير روح البيان ٤ : ٣١٨.
(٨) في تفسير روح البيان : كان منه ومنها.
(٩) في تفسير روح البيان : فاستدعاها.
(١٠) تفسير روح البيان ٤ : ٣٢٣.
(١١) في تفسير الرازي ١٨ : ٢١٦ : أقام معه أربعا وعشرين سنة.