عن ابن عباس : أنّ يوسف لمّا رأى سجود أبويه وإخوته له ، هاله ذلك ، واقشعرّ جلده منه ﴿وَقالَ﴾ ليعقوب : ﴿يا أَبَتِ هذا﴾ السجود ﴿تَأْوِيلُ رُءْيايَ﴾ التي رأيتها ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ وفي زمن الصبى ﴿قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا﴾ وصدقا ومطابقة لما وقع الآن بعد أربعين سنة ، أو ثمانين ، أو عشرين.
وعن الباقر عليهالسلام : « لما دخلوا على يوسف في دار الملك ، اعتنق أباه وبكى ، [ ورفعه ] ورفع خالته على سرير الملك ، ودخل منزله فادّهن واكتحل ، ولبس ثياب العزّ والملك ، ثمّ خرج إليهم ، فلمّا رأوه سجدوا [ جميعا ] له إعظاما وشكرا لله ، فعند ذلك قال : ﴿هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا﴾(١) .
﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي﴾ ربي صنيعه ﴿إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾ وإنّما لم يذكر خروجه من الجبّ لأن لا يستحي إخوته ، ولا يكون تثريبا عليهم ، ولا يتألم قلب أبيه بتذكّر إلقائه في الجبّ ، ولأنّه كان الإحسان بإخراجه من السجن أتمّ ، لانّه كان في الجبّ مع جبرئيل ، وفي السجن مع الكفّار ، وإنّه بعد الخروج من الجب صار عبدا ، وبعد الخروج من السجن صار ملكا.
ثمّ ذكر الإحسان الثاني بقوله : ﴿وَجاءَ بِكُمْ﴾ إليّ ﴿مِنَ الْبَدْوِ﴾ والصحراء.
وقيل : إنّ البدو كان اسم موضع معمور من فلسطين قريبا من كنعان يسكنه يعقوب (٢) ، وكان ذلك الاحسان ﴿مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ﴾ وأفسد ﴿الشَّيْطانُ﴾ بتسويلاته ﴿بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾ وفي هذا التعبير مبالغة في الاحسان إلى إخوته حيث نسب ما فعله الإخوة به إلى الشيطان ، وعبّر عنه بالنّزغ.
ثمّ اثنى على الله بقوله : ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ﴾ وذو إحسان خفيّ بعباده ومسبّب الأسباب ﴿لِما يَشاءُ﴾ وجوده بسهولة ، وإن كان عند العقول في غاية البعد والصعوبة.
ثمّ ذكر علّة لطف تدابيره بقوله : ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ﴾ بجميع الخصوصيات وخفايا الممكنات ﴿الْحَكِيمُ﴾ ومتقن في أفعاله ، آت بما هو الصواب والصلاح لعباده.
عن الغزالي : لا يستحقّ اسم اللطيف إلّا من يعلم دقائق المصالح وغوامضها ، وما دقّ منها ولطف ، ثمّ يسلك في إيصالها إلى المستصلح سبيل الرفق دون العنف ، ولا يتصوّر كمال ذلك في العلم والعقل إلّا الله تعالى (٣) .
عن الهادي عليهالسلام : « قال يعقوب لابنه : أخبرني بما فعل إخوتك بك حين أخرجوك من عندي. قال : يا أبه ، أعفني من ذلك. قال : فأخبرني ببعضه. قال : إنّهم لمّا أدنوني من الجبّ قالوا : انزع القميص.
__________________
(١) تفسير العياشي ٢ : ٣٦٩ / ٢١٥٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٨.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٣٢٢.
(٣) تفسير روح البيان ٤ : ٣٢٣.