ثمّ قيل : إنّه هيأ بيتا في خارج مصر أو مضربة هناك قعد يوسف فيه (١) وقيل : كان له في خارج مصر قصر رفيع ، فلمّا استقبل أبويه أنزلهم هناك أولا ﴿فَلَمَّا﴾ جاء يعقوب وزوجته اسمها أليا أو ياميل ، وكانت خالته ومربيته بعد امّه راحيل ، ولعلّه كان يقول لها امّ وسائر إخوته ﴿دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ﴾ في القصر أو البيت أو المضربة ﴿آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ﴾ يعقوب وراحيل ، أو خالته التي كانت بمنزلة امّه ، وعانقهما ثمّ قام ﴿وَقالَ﴾ لأبويه وإخوته وأقاربه (٢) : ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ﴾ حال كونكم ﴿آمِنِينَ﴾ من الجوع وإساءة الجبابرة إليكم وسائر المكارة.
قيل : إنّهم كانوا من قبل يخافون ملك مصر وجبابرته ، ولا يدخلونها إلا باجازتهم ، وكانوا اثنين وسبعين رجلا وامرأة ، فدخلوا جميعا مصر (٣) . و[ عن ] القمي : لمّا وافى يعقوب وأهله وولده مصر قعد يوسف على سريره ، ووضع تاج الملك على رأسه ، فأراد أن يراه أبوه على تلك الحالة ، فلمّا دخل عليه أبواه لم يقم لهما (٤) .
﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ
قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ
مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ
لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠)﴾
﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ﴾ وأجلسهما على السرير المختصّ به إكراما لهما ، بعد أن تواضع له أبواه وإخوته ﴿وَخَرُّوا لَهُ﴾ على الأرض حال كونهم ﴿سُجَّداً﴾ له تحية ومكرمة.
قيل : إنّ السجود كان في ذلك الزمان بمنزلة المصافحة وتقبيل اليد في هذا الزمان (٥) .
وعن الصادق عليهالسلام : « كان سجودهم ذلك عبادة لله » (٦) .
قيل : يعني لأجل وجدانه ولقائه سجدوا شكرا لله ، وجعلوا يوسف كالقبلة. وقيل : إنّه لم يسجد له أبواه بل إنّما سجد له إخوته (٧) ، والمراد في تعبير الرؤيا من سجود الأبوين تعظيمهما له.
وقيل : إنّما سجد يعقوب لأجل أن لا يستنكف من السجود له أنفة واستعلاء عليه. وقيل : إن الله أمر يعقوب بالسجود له لحكمة لا يعلمها غيره ، كما أمر الملائكة بالسجود لآدم (٨) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٣٢٠.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٣٢٠.
(٣) تفسير روح البيان ٤ : ٣٢٠.
(٤) تفسير القمي ١ : ٣٥٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٨.
(٥) تفسير روح البيان ٤ : ٣٢٠.
(٦) تفسير العياشي ٢ : ٣٧٠ / ٢١٥٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٨.
(٧) تفسير الرازي ١٨ : ٢١٢.
(٨) تفسير الرازي ١٨ : ٢١٣.