والاماء ﴿أَجْمَعِينَ﴾ لا يشذّ منهم أحد.
روى أن يهودا حمل القميص وقال : أنا أحزنت أبي بحمل القميص الملطّخ بالدم إليه ، فافرحه كما أحزنته ، فحمله وهو حاف حاسر من مصر إلى كنعان ومعه سبعة أرغفة لم يستوف أكلها حتى أتاه ، وكانت المسافة ثمانين فرسخا (١) .
﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤)﴾
﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ﴾ وجاورت ﴿الْعِيرُ﴾ وقافلة الإخوان من حيطان بلد مصر وعمرانه ، هاجت الريح ، فحملت ريح القميص من مسافة ثمانين فرسخا.
قيل : إنّ ريح الصّبا استأذنت ربّها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير بالقميص ، فأذن لها ، فأتته بها ، ولذا يستروح كلّ محزون بريح الصّبا ، ويشمّها المكروب فيجد بها روحا ، فلمّا اتصلت بيعقوب وجد ريح الجنّة ، فعلم أنّه ليس في الدنيا من ريح الجنة إلّا ما كان من ذلك القميص (٢) ، فلذا ﴿قالَ أَبُوهُمْ﴾ لمن حوله من الأهل والأرقاب : ﴿إِنِّي﴾ والله ﴿لَأَجِدُ﴾ وأشمّ ﴿رِيحَ﴾ قميص ﴿يُوسُفَ﴾ ابني ﴿لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ﴾ وتنسبوني إلى السّفه أو الخطأ في الحواسّ بسبب الهرم ، أو إلى الكذب في القول لصدّقتموني.
عن الصادق عليهالسلام : « وجد يعقوب ريح قميص إبراهيم حين فصلت العير من مصر وهو بفلسطين » (٣) .
وعن العياشي مرفوعا : « أنّ يعقوب وجد ريح قميص يوسف من مسيرة عشر ليالي ، وكان يعقوب ببيت المقدس ، ويوسف بمصر ، وهو القميص الذي نزل على إبراهيم من الجنة » الخبر (٤) .
وعنه عليهالسلام : « كان قميص إبراهيم الذي نزل (٥) على إبراهيم من الجنّة في قصبة من فضّة (٦) ، وكان إذا لبس كان واسعا كبيرا ، فلمّا فصلوا ويعقوب بالرّملة ويوسف بمصر ، قال يعقوب : إنّي لأجد ريح يوسف ، يعني ريح الجنة » (٧) الخبر.
قيل : لمّا انقضت أيام المحنة ، أوصل الله إليه ريح يوسف من المكان البعيد ، ومنع من وصول خبره إليه مع قرب إحدى البلدتين من الاخرى في مدّة ثمانين سنة ، وذلك دليل على أنّ كلّ سهل في زمان المحنة صعب ، وكلّ صعب في زمان الاقبال سهل (٨) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٣١٥.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٣١٦.
(٣) مجمع البيان ٥ : ٤٠٢.
(٤) تفسير العياشي ٢ : ٣٦٥ / ٢١٤٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٦.
(٥) في المصدر : كان القميص الذي انزل به.
(٦) زاد في المصدر : أو حديد.
(٧) تفسير العياشي ٢ : ٣٦٥ / ٢١٤٥.
(٨) تفسير الرازي ١٨ : ٢٠٨.