إلى يعقوب إسرائيل الله من ملك مصر.
أمّا بعد ، أيّها الشيخ ، فقد بلغني كتابك وقرأته وأحطت به علما وذكرت فيه آباءك الصالحين ، وذكرت أنهم أصحاب البلايا ، فانّهم ابتلوا وصبروا وظفروا ، فاصبر كما صبروا ، والسّلام.
فلمّا قرأ يعقوب الكتاب قال : والله ما هذا كتاب الملوك ، ولكنّه كتاب الأنبياء ، ولعلّ صاحب الكتاب هو يوسف (١) .
روي أنّ إخوة يوسف لمّا عرفوه أرسلوا إليه : أنّك تدعونا إلى طعامك بكرة وعشيا ، ونحن نستحي منك بتفريطنا فيك. فقال يوسف : إنّ أهل مصر - وإن ملكت فيهم - كانوا ينظرون إليّ بالعين الاولى ، ويقولون : سبحان من بلغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلغ ، ولقد شرفت بكم الآن ، وعظمت في العيون ، حيث علم الناس أنّكم إخوتي ، وأنّي من حفدة إبراهيم (٢) .
﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ
أَجْمَعِينَ (٩٣)﴾
ثمّ قيل : إنه عليهالسلام سأل إخوته عن أبيه ، فقال : ما فعل أبي بعدي ؟ قالوا : ذهبت عيناه. فأعطاهم قميصه الذي علّق عليه يعقوب كالتّميمة (٣) حين خروجه مع إخوته ، وقال لهم : يا إخوتي ﴿اذْهَبُوا﴾(٤) معكم ﴿بِقَمِيصِي هذا﴾ إلى كنعان ﴿فَأَلْقُوهُ﴾ واطرحوه ﴿عَلى وَجْهِ أَبِي﴾ فان فعلتم ذلك يردّ الله إليه عينه ﴿يَأْتِ﴾ إلى حال كونه ﴿بَصِيراً﴾ وقيل : بصيرا ، يعني يصير بصيرا (٥) .
روي عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : « أمّا قوله : ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا﴾ فانّ نمرود الجبّار لمّا ألقى إبراهيم في النار ، أنزل الله جبرئيل بقميص من الجنّة ، وطنفسة (٦) من الجنّة ، فألبسه القميص ، وأقعده على الطّنفسة ، وقعد معه يحدّثه ، فكسا إبراهيم ذلك القميص إسحاق ، وكساه إسحاق يعقوب ، وكساه يعقوب يوسف ، فجعله في قصبة من فضة وعلّقها عليه مخافة من إخوته ، فألقي في الجبّ والقميص في عنقه ، وكان فيه ريح الجنّة ، ولا يقع على مبتلى أو سقيم إلّا صحّ وعوفي (٧) .
ثمّ هيّأ يوسف أسباب مسافرة أبيه وجميع أقاربه من كنعان إلى مصر ومؤنتهم ، فأعطاها إخوته ، قال لهم : اذهبوا إلى كنعان ﴿وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ﴾ وأقاربكم ومن اتصل بكم من النساء والذراري والعبيد
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٣١٢.
(٢) تفسير الرازي ١٨ : ٢٠٦ ، تفسير روح البيان ٤ : ٣١٣.
(٣) التّميمة : ما يعلق في العنق لدفع العين.
(٤) تفسير روح البيان ٤ : ٣١٤.
(٥) تفسير الرازي ١٨ : ٢٠٦.
(٦) الطّنفسة : البساط ، والنمرقة التي فوق الرحل.
(٧) تفسير روح البيان ٤ : ٣١٤.