﴿قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ
فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٩٥) و (٩٦)﴾
فلمّا سمع الحاضرون عنده هذا الكلام منه مع اعتقادهم موت يوسف ﴿قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ﴾ يا يعقوب ﴿لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ﴾ وانحرافك عن الصواب الذي كنت عليه من زمان فقد يوسف باعتقادك حياته ، وإفراطك في حبّه وذكره ﴿فَلَمَّا أَنْ جاءَ﴾ يهودا الذي هو ﴿الْبَشِيرُ﴾ ليعقوب بحياة يوسف وسلطنته ، كما عن الصادق عليهالسلام (١) ، وأتى بالقميص ﴿أَلْقاهُ﴾ وطرحه ﴿عَلى وَجْهِهِ﴾
وقيل : إنّ يعقوب أخذ القميص من يهودا وألقاه على وجهه ﴿فَارْتَدَّ﴾ ورجع إلى ما كان عليه من كونه ﴿بَصِيراً﴾ بقدرة الله وفضله (٢) .
قيل : لمّا عظم فرحه وزالت أحزانه ، عادت قوة بصره ، و﴿قالَ﴾ لولده وأهله : ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ﴾(٣) حين لمتموني على ذكر يوسف ﴿إِنِّي أَعْلَمُ﴾ بالهام ﴿مِنَ﴾ قبل ﴿اللهِ﴾ وتفضّله ﴿ما لا تَعْلَمُونَ﴾ من حياة يوسف وفرحي بلقائه.
عن الصادق عليهالسلام : « كتب عزيز مصر إلى يعقوب : أمّا بعد ، فهذا ابنك [ يوسف ] اشتريته بثمن بخس دراهم معدودة واتّخذته عبدا ، وهذا ابنك بنيامين قد سرق فاتّخذته عبدا » .
قال : « فما ورد على يعقوب شيء أشدّ عليه من ذلك الكتاب ، فقال للرسول : مكانك حتى اجيبه ، فكتب إليه يعقوب : أمّا بعد ، فقد فهمت كتابك بأنك اتّخذت ابني بثمن بخس ، واتّخذته عبدا ، وأنّك اتّخذت ابني بنيامين وقد سرق ، واتّخذته عبدا ، فانّا أهل بيت لا نسرق ، ولكنّا [ أهل بيت ] نبتلى ، وقد ابتلي أبونا إبراهيم بالنار فوقّاه الله ، وابتلي أبونا إسحاق بالذبح فوقّاه الله ، وإنّي قد ابتليت بذّهاب بصري وذهاب ابنيّ ، وعسى الله أن يأتيني بهم جميعا » .
قال : « فلمّا ولّى الرسول عنه رفع يديه إلى السماء ، ثمّ قال : يا حسن الصّحبة ، يا كريم المعونة يا خيرا كلّه ، ائتني بروح (٤) وفرج من عندك ، فما انفجر عمود الصّبح حتّى اتي بالقميص وطرح على وجهه ، فردّ الله عليه بصره ، وردّ عليه ولده (٥) .
روي أنّ يوسف وجّه إلى أبيه جهازا كثيرا ومأتي راحلة ، وسأله أن يأتيه بأهله أجمعين ، فتهيّأ [ يعقوب ] للخروج إلى مصر (٦) .
__________________
(١) إكمال الدين : ١٤٢ / ٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٣.
(٢ و٣) تفسير الرازي ١٨ : ٢٠٩.
(٤) زاد في تفسير الصافي : منك.
(٥) تفسير العياشي ٢ : ٣٦٦ / ٢١٥١ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٤.
(٦) تفسير روح البيان ٤ : ٣١٩.