ثمّ قيل : إنه عليهالسلام رفع النّقاب عن وجهه ، وألقى التاج من رأسه ، فنظر إخوته إلى وجهه (١) ، و﴿قالُوا﴾ تقريرا له واستعجابا من مقامه : ﴿أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ﴾ أخونا ﴿يُوسُفُ قالَ﴾ نعم ﴿أَنَا﴾ أخوكم ﴿يُوسُفُ﴾ الذي ظلمتموني بأعظم ظلم.
ثم بالغ في تعريف نفسه وتفخيم بنيامين بقوله : ﴿وَهذا﴾ الجالس عندي ﴿أَخِي﴾ من أبي وامّي ﴿قَدْ مَنَّ اللهُ﴾ وأنعم ﴿عَلَيْنا﴾ بالسلامة ، والعزّة بعد الذلّة ، والاجتماع بعد الفرقة.
عن ابن عباس : أي بكلّ عزّ في الدنيا والآخرة (٢) .
ثمّ ذكر علّة منّة الله على نفسه وأخيه بقوله : ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ﴾ الله ، ويخافه في معاصيه ويحفظ نفسه من ارتكاب ما يسخطه ﴿وَيَصْبِرْ﴾ على الطاعة ، ويتحمل أذى الناس يؤجر أجرا عظيما ﴿فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ﴾ ولا يبطل ﴿أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ وهم المتقون الصابرون.
ثمّ أن الإخوة خضعوا له و﴿قالُوا﴾ اعتذارا من تفريطهم في حقّه ، وتواضعا له : ﴿تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ﴾ وفضلّك ﴿عَلَيْنا﴾ بالعلم والحلم والعقل والفضل وحسن الخلق والخلق والسعادة في الدارين ﴿وَإِنْ كُنَّا﴾ في الإساءة إليك ﴿لَخاطِئِينَ﴾ ومتعمّدين بالذنب ، وفيه إشعار بالتوبة والاستغفار.
﴿قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢)﴾
وعن الباقر عليهالسلام : « قالوا فلا تفضحنا ولا تعاقبنا اليوم واغفر لنا » (٣) . ﴿قالَ﴾ يوسف لهم كرما وصفحا : يا إخوتي ﴿لا تَثْرِيبَ﴾ ولا تقصير ولا توبيخ ﴿عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ فيما فعلتم بي فضلا عن العتاب والعقوبة.
وقيل : اليوم متعلّق بما بعد (٤) فالآية اليوم ﴿يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ﴾ ويستر ذنوبكم ﴿وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾
روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أخذ بعضادتي (٥) باب الكعبة يوم الفتح فقال لقريش : « ما تروني فاعلا بكم ؟ »
قالوا : نظنّ خيرا ، أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت. فقال : « أقول ما قال أخي يوسف : ﴿لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾(٦) .
روي أنّه لمّا قرأ الكتاب - كتاب أبيه - بكى وكتب في جوابه :
بسم الله الرحمن الرحيم.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٣١٢.
(٢) تفسير الرازي ١٨ : ٢٠٤.
(٣) تفسير العياشي ٢ : ٣٦٣ / ٢١٣٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١.
(٤) تفسير الرازي ١٨ : ٢٠٦.
(٥) عضادتا الباب : خشبتان تكونان على جانبيه مثبتتان في الحائط.
(٦) تفسير الرازي ١٨ : ٢٠٦ ، تفسير روح البيان ٤ : ٣١٣.