التفضّل والاحسان والصلاح ﴿وَتَوَلَّى﴾ وأعرض ﴿عَنْهُمْ﴾ بوجهه كراهة لما سمع منهم ، وذهب إلى بيت الأحزان ، وهاج حزنه على يوسف لكون مصيبته أصل مصائبه ، ولأنّه كان يعلم بحياة غيره دونه ، وكان يتسلّى برؤية بنيامين عن رؤيته ، لكونهما من امّ واحدة ، وفي غاية المشابهة ، فضاق قلبه ﴿وَقالَ يا أَسَفى﴾ ويا حزنا ﴿عَلى يُوسُفَ﴾ تعال فهذا أوانك. في الحديث : « لم تعط امّة من الامم إنّا لله وإنّا إليه راجعون [ عند المصيبة ] إلّا امّة محمد صلىاللهعليهوآله ، ألا ترى إلى يعقوب حين أصابه ما أصابه لم يسترجع بل قال : ﴿يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ﴾(١) .
وعن القمي رحمهالله : إنّ يعقوب لم يعلم الاسترجاع ، فمن هنا قال : ﴿يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ﴾(٢).
عن الصادق عليهالسلام : أنّه سئل : ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف ؟ قال : « حزن سبعين ثكلى بأولادها » (٣) .
وروي أنّ يوسف قال لجبرئيل : أيها الروح الأمين ، هل لك علم بيعقوب ؟ قال : نعم ، وهب الله له الصبر الجميل ، وابتلاه بالحزن عليك ، قال : فما قدر حزنه ؟ قال : حزن سبعين ثكلى. قال : فما له من الأجر ؟ قال : أجر مائة شهيد ، وما أساء ظنّه بالله ساعة قطّ (٤) .
وعن الصادق عليهالسلام في رواية - قيل له : كيف حزن يعقوب على يوسف وقد أخبره جبرئيل أنه لم يمت ، وأنّه سيرجع إليه ؟ قال : « إنه نسي ذلك » (٥) الخبر ، فأكثر البكاء عليه ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ﴾ ومحقت سوادهما ﴿مِنَ الْحُزْنِ﴾ روي أنّه ما جفّت عينا يعقوب من يوم فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين سنه (٦)﴿فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ ممسك عن النياحة وذكر ما لا ينبغي.
﴿قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ * قالَ
إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٥) و (٨٦)﴾
وقيل : يعني مملوءا من الغيظ على أولاده ، ممسكا له قلبه (٧) ، أو متجرّعا غصّته لا يظهرها عند أحد ، ثمّ لامه أو سلّاه بعض ولده أو أقربائه و﴿قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا﴾ ولا تزال ﴿تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ تفجّعا عليه ﴿حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً﴾ ومريضا أو فاسد الجسم والعقل ﴿أَوْ تَكُونَ﴾ هالكا ﴿مِنَ الْهالِكِينَ﴾ من شدّة الحزن عليه ﴿قالَ﴾ يعقوب لا أشكو حزني عند أحد ﴿إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي﴾ وغمّي الذي لا يطاق له ﴿وَحُزْنِي﴾ وهمّي الذي يطاق له ﴿إِلَى اللهِ﴾ لأنّه لا أرجو كشف الغمّ الشديد ، ولا تفريج الغمّ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٣٠٦.
(٢ و٣) تفسير القمي ١ : ٣٥٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٨.
(٤) تفسير روح البيان ٤ : ٣٠٩.
(٥) تفسير العياشي ٢ : ٣٥٨ / ٢١٣١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٨.
(٦) تفسير أبي السعود ٤ : ٣٠١.
(٧) تفسير أبي السعود ٤ : ٣٠٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٨.