نحن متّهمون بواقعة يوسف ، فكيف المخلص من هذه الورطة ؟ (١) . قال يهودا : ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ﴾ ولا افارق أبدا هذه ﴿الْأَرْضَ﴾ وتلك البلدة ﴿حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي﴾ في الانصراف إليه ﴿أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي﴾ بالخروج منها والرجوع إلى أبي على وجه لا يؤدّي إلى نقض الميثاق ، أو يجعل لي مخلصا بسبب من الأسباب.
وقيل : يعني يقضي الله عليّ بالموت (٢)﴿وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ﴾ لأنّه لا يحكم إلّا بالعدل والحقّ ولا يجور ولا يداهن ، يا إخوتي ﴿ارْجِعُوا﴾ أنتم ﴿إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا﴾ له ﴿يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ﴾ بنيامين ﴿سَرَقَ﴾ صواع الملك بمصر ﴿وَما شَهِدْنا﴾ عليه عندك بالسرقة ﴿إِلَّا بِما عَلِمْنا﴾ ورأينا من استخراج الصّواع من وعائه ﴿وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ﴾ وباطن الأمر وواقع الحال ب ﴿حافِظِينَ﴾ فلعلّ أهل مصر رموه في وعائه ليتّهموه بالسرقة حسدا وعداوة.
﴿وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢)﴾
وقيل : يعني ما كنا نعلم أنّ ابنك هذا يسرق ، ولو علمنا ذلك منه ما ذهبنا به إلى ملك مصر ، ولم نحضره معنا عند الملك ، وما أعطيناك العهد على إرجاعه إليك (٣) ، وإن لا تصدّقنا فيما نقول لاتّهامنا عندك بالكذب وخلف العهد ، ففتّش عن القضية ﴿وَسْئَلِ﴾ عنها ﴿الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها﴾ وأهل البلدة التي وقعت القضية فيها - قيل : هي مصر (٤) وقيل : هي قرية قريبة من مصر ، فانّه وقعت القضية فيها (٥) - ﴿وَ﴾ اسأل ﴿الْعِيرَ﴾ والقافلة ﴿الَّتِي أَقْبَلْنا﴾ وتوجّهنا إليك ﴿فِيها﴾ فانّهم كانوا معنا ذهابا وإيابا ، وفي الوقعة.
وقيل : يعني اسأل حيطان القرية وجدرانها والأباعير التي كانت معنا حتى يخبروك بها ، فانّك من أكابر الأنبياء فينطق الله لك الجمادات والحيوانات (٦) .
وقيل : إنّ الشيء إذا ظهر ظهورا تاما يقال [ فيه ] : سل الجمادات (٧) وجميع الأشياء عنه (٨) .
قيل : كان معهم قوم من كنعان من جيران يعقوب (٩) .
ثمّ أكّدوا قولكم بالحلف بالله ، ﴿وَ﴾ قولوا (١٠)﴿إِنَّا﴾ والله ﴿لَصادِقُونَ﴾ فيما نخبرك به.
ثمّ لما اخذوا دستور كيفية إخبار يعقوب بالقضية ، رجعوا إلى كنعان ، ورجع يهودا إلى يوسف ، فقال
__________________
(١) تفسير الرازي ١٨ : ١٨٨.
(٢) مجمع البيان ٥ : ٣٩١.
(٣) تفسير الرازي ١٨ : ١٩٠.
( ٤ و٦ ) تفسير الرازي ١٨ : ١٩٠.
(٧) في تفسير الرازي : سل السماء والأرض.
(٨) تفسير الرازي ١٨ : ١٩٠.
(٩) تفسير روح البيان ٤ : ٣٠٤.
(١٠) في النسخة : وقالوا.