كنتم سرقتم بضاعتكم الاولى وجعلتموها في رحالكم ، فأنا جعلت الصّواع في رحلي. فقال روبيل: والله لقد صدق وأراد بنيامين أن يخبرهم بخبر يوسف ، فذكر وصيته له فسكت (١) .
ثمّ ذكر الله سبحانه لطفه بيوسف ومنّته عليه بقوله : و﴿كَذلِكَ﴾ الكيد المعجب والتدبير البديع ﴿كِدْنا﴾ ودبّرنا نفعا ﴿لِيُوسُفَ﴾ وتحصيلا لغرضه حيث ألهمناه أن يسألهم عن جزاء السارق في شرعهم ليلزمهم بما التزموا به ، وإلّا فانّه ﴿ما كانَ لِيَأْخُذَ﴾ ويسترقّ أو يحبس ﴿أَخاهُ﴾ بنيامين بالجزاء المقرّر ﴿فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾ الأكبر وسنّته ، أو في حكمه وقضائه ، لأنّ جزاء السارق في دينه هو ضربه وتغريمه ضعف ما سرق دون الاسترقاق والحبس ﴿إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ﴾ ذلك الكيد الذي علّمناه ، أو يشاء تغيير دين الملك ، أو أخذه بوجه آخر.
ثمّ مدح سبحانه رفعة مقام يوسف في العلم بقوله : ﴿نَرْفَعُ دَرَجاتٍ﴾ كثيرة في العلم ﴿مَنْ نَشاءُ﴾ رفعه ونعلي إلى مراتب عالية من نريد تعليته بالحكمة حسب استعداد الخلق وقابليتهم ، واقتضاء الحكمة والمصلحة ، كما رفعنا درجة يوسف ومرتبته في العلم على درجة علم إخوته وغيرهم من أهل عصره ﴿وَفَوْقَ﴾ درجة ﴿كُلِّ ذِي عِلْمٍ﴾ من الخلق ﴿عَلِيمٌ﴾ ويكون من كلّ صاحب علم من هو أرفع منه في العلم إلى أن ينتهى إلى الله.
﴿قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها
لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧)﴾
ثمّ أن الإخوة ﴿قالُوا﴾ ليوسف تنزيها لساحتهم من صنع بنيامين : ﴿إِنْ يَسْرِقْ﴾ هو فليس هذا العمل منه ببعيد ولا عجب ﴿فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ﴾ كان ﴿لَهُ﴾ من امّه ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ وكنّا نحن برئاء منهم. فسمع يوسف الكلمة الشنيعة ﴿فَأَسَرَّها﴾ وأخفاها ﴿يُوسُفُ﴾ منهم ﴿فِي نَفْسِهِ﴾ وقلبه ﴿وَلَمْ يُبْدِها﴾ ولم يظهرها ﴿لَهُمْ﴾ بوجه حلما وصفحا.
ثمّ ﴿قالَ﴾ في نفسه : يا إخوتي ﴿أَنْتُمْ شَرٌّ﴾ مني ﴿مَكاناً﴾ ومنزلة حيث سرقتموني من أبي ، وفعلتم بي ما فعلتم ﴿وَاللهُ﴾ العالم بحقايق الامور ﴿أَعْلَمُ﴾ منكم ومن كلّ أحد ﴿بِما تَصِفُونَ﴾ وتنسبون إليّ.
قيل : كان جدّه لامّه يعبد الصّنم ، فقالت له امّه راحيل : خذ صنم أبي واكسره لعلّه يترك عبادته ، فأخذه يوسف وكسره وألقاه بين الجيف في الطريق (٢) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٣٠٠.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٣٠١.