يا أيها الفتية ﴿تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ﴾ وتبيّن لكم من حالنا أنّا ﴿ما جِئْنا﴾ من بلدنا إليكم ﴿لِنُفْسِدَ فِي﴾ هذه ﴿الْأَرْضِ﴾ وتلك البلدة بالسرقة ﴿وَما كُنَّا﴾ في مدّة عمرنا ﴿سارِقِينَ﴾ فانّ العلم بالأحوال المشاهدة يستلزم العلم بالغائبة ﴿قالُوا﴾ في جوابهم ﴿فَما﴾ عقوبة السرق أو السارق وأيّ شيء ﴿جَزاؤُهُ﴾ في شرعكم ؟ ﴿إِنْ كُنْتُمْ﴾ في جحودكم السرقة وإنكار كون الصّواع عندكم ﴿كاذِبِينَ﴾ فلمّا كانوا مطمئنين ببراءة أنفسهم ﴿قالُوا﴾ في شرع يعقوب عقوبة السارق أو السرق و﴿جَزاؤُهُ﴾ استرقاق ﴿مَنْ وُجِدَ﴾ الصّواع ﴿فِي رَحْلِهِ﴾ وأمتعته ﴿فَهُوَ جَزاؤُهُ﴾
قيل : كان في شرع يعقوب أن يسترقّ السارق سنة (١) .
ثمّ أكّدوا الحكم المذكور بعد بيانه بقولهم : ﴿كَذلِكَ﴾ الجزاء ومثل تلك العقوبة ﴿نَجْزِي﴾ ونعاقب ﴿الظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم بالعصيان ، وعلى غيرهم بسرقة ماله.
عن الصادق عليهالسلام : « يعنون السّنّة التي كانت تجري فيهم أن يحبسه » (٢) .
﴿فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا
لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ
نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦)﴾
ثمّ روي أنّ غلمان يوسف قالوا للإخوة : أنيخوا حتى نفتّش رحالكم ، فأناخوا (٣)﴿فَبَدَأَ﴾ المفتّش بأمر يوسف ﴿بِأَوْعِيَتِهِمْ﴾ وجواليقهم في التفتيش ﴿قَبْلَ﴾ تفتيش ﴿وِعاءِ أَخِيهِ﴾ بنيامين دفعا للتّهمة.
﴿ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ﴾ قيل : فتّشوا رحل الأخ الأكبر ، ثمّ الذي يليه ، ثمّ وثمّ إلى أن بلغت النوبة إلى رحل بنيامين ، فقال يوسف : ما أظنّ أنّ هذا أخذ شيئا. فقال فتيانه : والله ما نتركه حتّى ننظر في رحله ، فانّه أطيب لنفسك ولأنفسنا ، ففتحوا متاع بنيامين ، فرأوا الصّواع فأخذوه وما معه من الصّواع ، وردّوه إلى مصر (٤) .
وأخذ إخوته يشتمونه بالعبرانية وقالوا : يا لعين (٥) ، ما حملك على سرقة صواع الملك ؟ ولا يزال ينالنا منك بلاء كما لقينا من ابن راحيل. فقال بنيامين : بل ما لقي ابنا راحيل البلاء إلّا منكم ، فأمّا يوسف فقد فعلتم به ما فعلتم ، وأمّا أنا فنسبتموني إلى السرقة. قالوا : فمن جعل الإناء في متاعك ؟ قال : إن
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٣٠٠.
(٢) تفسير العياشي ٢ : ٣٥١ / ٢١١٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٥.
(٣) تفسير روح البيان ٤ : ٣٠٠.
(٤) في تفسير روح البيان : إلى يوسف.
(٥) في تفسير روح البيان : وقالوا له : يا لصّ.