فما سمّيتهم ؟ قال : سمّيت واحدا منهم بالذئب ، وواحدا القميص ، وواحدا الدم. قال : وكيف اخترت هذه الأسماء ؟ قال : لئلا أنسى أخي ، كلّما دعوت واحدا منهم ذكرت أخي. قال لهم يوسف : اخرجوا ، وحبس بنيامين [ عنده ] ، فلمّا خرجوا من عنده قال يوسف لأخيه : ﴿أَنَا أَخُوكَ﴾ [ يوسف ]﴿فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾
ثمّ قال له : أنا احبّ أن تكون عندي ، فقال : لا يدعوني إخوتي ، فانّ أبي قد أخذ عليهم عهد الله وميثاقه أن يردّوني إليه. قال : أنا احتال بحيلة ، فلا تنكر إذا رأيت شيئا ولا تخبرهم. فقال : لا (١) .
وفي رواية عامية : أنّ بنيامين لمّا عرف أخاه أخذته الغشوة من الشوق والفرح ، فلمّا أفاق عانقه وقاله له : لا افارقك ، قد علمت اعتمام والدي بي ، فإذا حبستك ازداد غمّه ، ولا سبيل إلى ذلك إلّا أن أشهرك بأمر فظيع. قال : لا ابالي ، فافعل ما بدا لك. قال : أدسّ صاعي في رحلك ، ثمّ انادى عليك : بأنك سرقته ليتهيأ لي ردّك بعد تسريحك معهم. قال : افعل.
﴿فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا
الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠)﴾
ثمّ قال يوسف لإخوته : أتحبّون سرعة الرجوع إلى أبيكم ؟ قالوا : نعم ، فأمر الكيّال بكيل الطعام ، وقال له : زدهم وقر (٢) بعير ، ثمّ جهّزهم بأحسن جهاز ﴿فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ﴾ وأكمل مؤنة سفرهم ﴿جَعَلَ﴾ بمباشرته أو بواسطة افرائيم أو بعض خواصه ومحارمه ﴿السِّقايَةَ﴾ والمشربه التي كانت من فضّة ، أو من بلور ، أو من زمرّدة خضراء ، أو ياقوتة حمراء تساوي مائتي ألف دينارا ، أو من ذهب مرصّعة بالجواهر ، جعلت صواعا وكيلا يكال به الطعام لعزّته ، أو يكال به طعام إخوته إكراما لهم (٣)﴿فِي رَحْلِ أَخِيهِ﴾ بنيامين ودسّها في حمله.
ثمّ أمر إخوته بالمسير ، ثمّ لمّا انفصل الإخوة من مصر ، طلب أصحاب يوسف السّقاية ، فما وجدوها ، وما كان أحد هناك غير الذين ارتحلوا ، فأخبروا يوسف ، فأرسل من استوقفهم فوقفوا ﴿ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾ ونادى مناد من قبل الملك اسمه افارائيم على ما قيل (٤) : ﴿أَيَّتُهَا الْعِيرُ﴾ وقافلة الكنعانيون ﴿إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ﴾
قيل : أراد يوسف من نسبة السرقة إليهم سرقتهم إياه من أبيه (٥) .
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٣٤٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٣.
(٢) الوقر : الحمل الثقيل.
(٣ و٤) تفسير روح البيان ٤ : ٢٩٨.
(٥) تفسير روح البيان ٤ : ٢٩٩.