الدنيا والآخرة (١) .
﴿وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا
يَعْمَلُونَ (٦٩)﴾
﴿وَلَمَّا دَخَلُوا﴾ مع بنيامين ﴿عَلى يُوسُفَ﴾ وهو جالس في قصره منقّبا على السرير ، فقال لهم : من أنتم ؟ قالوا : نحن كنعانيون ، الذين أمرتنا بأن نأتي بأخينا من أبينا فامتثلنا أمرك وأتينا به. قال : أحسنتم ، وستجدون جزاءكم عندي فاجلسوا. فجلسوا على حاشية البساط ، فأكرمهم وأمر باحضار الطعام ، وقال : فليجلس كلّ أخوين من أب وامّ على خوان من الطعام ، فجلس كلّ منهم مع أخيه الأبويني على خوان واحد ، وبقي بنيامين فردا لا قرين له ، فبكى حتى غشي عليه ، فأمر يوسف بأن يرشّوا الجلّاب (٢) على وجهه حتّى أفاق ، فقال له يوسف : يا شاب ، ما كان سبب بكائك وغشيتك ؟ قال : كان لي أخ من امّي يقال له يوسف وفقد سنين متطاولة ، فلمّا أمرت أن يجلس كلّ أخوين من أبّ وامّ على خوان واحد ذكرته ، وقلت في نفسي : لو كان معي أخ لأجلسني معه ، فأخذتني العبرة وتغيّر حالي. قال يوسف : أترضى أن أكون أخاك آكل معك ، فأمر أن يوضع خوانا في بيت آخر أو وراء الستر ، فقام يوسف إليه ، ودعا بنيامين و﴿آوى إِلَيْهِ أَخاهُ﴾ بنيامين وضمّه إلى نفسه في الطعام والمنزل والمبيت ، وعيّن لكلّ اثنين من إخويه بيتا ثمّ قال لبنيامين : هل تزوّجت ؟ قال : نعم ، ولي عشرة بنين اشتققت أسماءهم من اسم أخ لي هلك.
وقيل : إنّه قال : رزقت ثلاثة أولاد ذكور. قال : ما أسماؤهم ؟ قال : اسم أحدهم ذئب. فقال يوسف : أنت ابن نبي ، فكيف سمّيت ولدك بأسماء الوحوش ؟ فقال : إنّ إخوتي لمّا زعموا أنّ أخي أكله الذئب سمّيت ابني ذئبا حتى إذا صحت به ذكرت أخي ، فبكى وبكى يوسف. وقال : ما اسم الآخر ؟ قال : دم. قال : لم سميّته بهذا الاسم ؟ قال : إخوتي جاءوا بقميص أخي متضمّخا بالدم ، فسمّيته بذلك حتى إذا صحت به ذكرت أخي ، فبكى وبكى يوسف. فقال : وما اسم الثالث ؟ قال : يوسف ، سمّيته به حتى إذا صحت به ذكرت أخي ، فبكى وبكى يوسف وقال في نفسه : يا الهي وسيدي ، هذا أخي أراه بهذا الحزن ، فكيف يكون حال الشيخ يعقوب ، اللهم اجمع بيني وبينه قبل فراق الدنيا. ثمّ قال : أ تحبّ أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك ؟ قال : من يجد أخا مثلك ، ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل ، فبكى
__________________
(١) تفسير الرازي ١٨ : ١٧٧.
(٢) الجلّاب : ماء الورد ، فارسي معرب.