الأوقات ﴿وَعَلَيْهِ﴾ تعالى ﴿فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ البتّه بتبع أنبيائهم.
ثمّ لمّا أنكر بعض تأثير العين ، حملوا وصية يعقوب على أنّه لمّا علم اشتهارهم في المصر بالحسن والكمال خاف عليهم أن يحسدهم الناس ، ويسعوا عليهم عند الملك ، أو خاف أن يخافهم الملك الأكبر على ملكه فيحبسهم.
أقول : وإن كان هذا الوجه ممكنا ومحتملا إلّا أن إنكار تأثير العين إنكار لما هو ثابت بالشرع والتجربة ، فقد روى بعض العامة عن النبي صلىاللهعليهوآله : « العين تدخل الرجل في القبر ، والبعير في القدر»(١).
وروي عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « أن جبرئيل أتى النبي صلىاللهعليهوآله فرآه مغتما فقال : يا محمد ، ما هذا الغمّ الذي أراه في وجهك ؟ فقال : الحسن والحسين أصابتهما عين. فقال : صدقت ، فانّ العين حقّ » (٢) . إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة من طرق العامة والخاصة التي لا مجال لانكارها.
﴿وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ
حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا
يَعْلَمُونَ (٦٨)﴾
﴿وَلَمَّا﴾ وصل أولاد يعقوب إلى مصر ﴿دَخَلُوا﴾ فيها ﴿مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ﴾ وبنحو [ ما ] وصّاهم والدهم من دخولهم من أبواب متفرّقة ﴿ما كانَ﴾ رأي يعقوب وتدبيره في حفظهم من الابتلاء ﴿يُغْنِي﴾ وينفع ﴿عَنْهُمْ مِنَ﴾ قضاء ﴿اللهِ﴾ ومشيئته في حقّهم ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ يسير ، ولا يردّه عنهم بوجه ﴿إِلَّا حاجَةً﴾ قيل : إنّ الاستثناء منقطع ، والمعنى : ولكن حاجة كانت ﴿فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ﴾ وهو إظهار خوفه من أن تصيبهم العين أو يحسدهم أهل مصر (٣) ، وهو ﴿قَضاها﴾ بتلك التوصية.
عن ابن عباس : « ذلك التفرّق ما كان يردّ قضاء الله ، ولا أمرا قدّره الله (٤) . وفيه تصديق الله لما قال يعقوب : « ما اغني عنكم من الله شيء » ﴿وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ﴾ بأن التدبير لا يدفع التقدير ﴿لِما عَلَّمْناهُ﴾ ولاجل وحينا إليه.
وقيل : أي لذو حفظ ومراقبة لما علمناه ، أو لذو علم بفوائد ما علمناه ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ﴾ وهم الجهّال غير العارفين ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ ما علم يعقوب ، أو أن يعقوب بهذه الصفة أو القضاء لا يردّ التدبير. وقيل : إنّ المراد أنّ المشركين لا يعلمون أنّ الله كيف أرشد أولياءه إلى العلوم النافعة لهم في
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٤ : ٢٩٢ ، تفسير روح البيان ٤ : ٢٩٣.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٢٩٣.
(٣ و٤) تفسير الرازي ١٨ : ١٧٦.