لَتَأْتُنَّنِي بِهِ﴾ وتردّونه صحيحا سالما إليّ على أيّ حال ﴿إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ﴾ ويغلب عليكم بحيث لا تقدرون على حفظه وإتيانه إليّ.
وقيل : يعني إلّا أن تهلكوا جميعا (١) .
قيل : البلاء موكل بالمنطق ، فانّه عليهالسلام قال في حقّ يوسف : أخاف أن يأكله الذئب ، فابتلي بهذا القول ، وقال هنا : إلّا أن يحاط بكم ، فابتلي أيضا بهذا القول ، حيث إنّهم احيط بهم وغلبوا عليه(٢).
﴿فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ﴾ وعاهدوه عهدا مؤكّدا بالحلف على حفظه وردّه سالما إليه ، حثّهم على الوفاء به بقوله : ﴿قالَ اللهُ﴾ القادر القاهر ﴿عَلى ما نَقُولُ﴾ من التعاهد ﴿وَكِيلٌ﴾ وشهيد ، أو مراقب وكاف ، يثيب على الوفاء به ، ويعاقب على الخلف.
﴿وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي
عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧)﴾
ثمّ أذن عليهالسلام في أن يذهبوا ببنيامين معهم إلى مصر ، فتهيّئوا للسفر ، فلمّا أرادوا أن يخرجوا خاف يعقوب عليهم العين ، لكونهم ذوي جمال فائق ، وكمال رائق ، وهيئة حسنة ، وبني أب واحد ، ﴿وَ﴾ لذا ﴿قالَ يا بَنِيَ﴾ اوصيكم بأنّه إذا وصلتم إلى مصر ﴿لا تَدْخُلُوا﴾ فيها ﴿مِنْ بابٍ واحِدٍ﴾ للمدينة على ما أنتم عليه من العدد والهيئة ﴿وَادْخُلُوا﴾ فيه متفرّقين ﴿مِنْ أَبْوابٍ﴾ متعدّدة ﴿مُتَفَرِّقَةٍ﴾ وطرق متشتته ، ومسالك مختلفة ، وإنّما وصّاهم في هذه الكرّة ، لأنّهم صاروا في السفر الأول مشتهرين في المصر بالقرب عند الملك ، وكانت ترفع إليهم الأبصار دون الكرّة الاولى ، فانّهم كانوا حين الورود مجهولين مقهورين بين الناس غير متجمّلين تجمّلهم في الثانية ، وإنّما كانت تلك الوصية بالنظر إلى حبّ الأبوة.
ثمّ التفت إلى أنّ التدبير لا يردّ التقدير ، وأنّ القضاء لا يدفع بالحيل والأداء ، فقال : ﴿وَما أُغْنِي﴾ ولا أنفعكم بتدبيري في دفع إصابة العين ﴿عَنْكُمْ﴾ إذا كان ﴿مِنْ﴾ قضاء ﴿اللهِ﴾ يسيرا ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ من الضّرر.
القمي : رحمهالله : أعلن بتفويضه الأمر إلى الله بقوله ﴿إِنِ الْحُكْمُ﴾ وما القضاء في الامور من النفع والضرّ والخير والشرّ لأحد ﴿إِلَّا لِلَّهِ﴾ وحده لا يشاركه فيه أحد ، ولا يمانعه عنه شيء ، فإذا كان ذلك فإنّي ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ وإليه فوّضت جميع اموري التي منها حفظ أولادي من الآفات في جميع
__________________
(١) مجمع البيان ٥ : ٣٧٩.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٢٩١.