﴿فَاللهُ خَيْرٌ﴾ منّي ومنكم لحفظه لكونه تعالى ﴿حافِظاً﴾ لكلّ شيء ، فأتوكّل عليه ، وافوّض أمر حفظه إليه ﴿وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ من أهل السماوات والأرضين بعباده ، فيرحم شيبتي وضعفي ، فلا يرضى بأن يجمع عليّ مصيبتين ، وفيه إشعار برضاه في ذهابهم به ، لاحتياجه إلى الطعام ، وإيناسه الخير والصلاح فيهم ، وعدم شدّة الحسد والحقد بينهم وبين بنيامين ، كذا قيل عن كعب ، لمّا قال يعقوب : ﴿فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً﴾ قال الله تعالى : وعزّتي لأردّن عليك كليهما بعد ما توكّلت عليّ (١) .
﴿وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ
بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ
يَسِيرٌ قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ
يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٥) و (٦٦)﴾
ثمّ قيل : إنّ يعقوب قال لبنيه : يا بنيّ ، قدّموا أحمالكم لأدعو لكم فيها بالبركة ، فقدّموها إليه (٢)﴿وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ﴾ وأبواب جواليقهم ﴿وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ﴾ التي سلّموها إلى ملك مصر ثمنا للطعام ﴿رُدَّتْ إِلَيْهِمْ﴾ بأن وضعت في رؤوس أجمالهم ، فلمّا رأوا ذلك ﴿قالُوا﴾ لأبيهم : ﴿يا أَبانا ما نَبْغِي﴾ ولا نطلب بمدحنا ملك مصر في الكرم كذبا ، أو لا نطلب منه إكراما وتفضلا فوق هذا الاكرام والتفضّل ، أو لا نطلب منك مؤنة الرجوع ﴿هذِهِ﴾ البضاعة التي ترى هي ﴿بِضاعَتُنا﴾ التي سلّمناها له عوض الطعام ﴿رُدَّتْ إِلَيْنا﴾
أو المعنى أي شيء نطلب بعد إيفائه الكيل لنا وردّ ثمنه إلينا بأحسن وجه ، فاذا رجعنا إليه نأخذ ما نريد من الطعام ﴿وَنَمِيرُ أَهْلَنا﴾ ونأتيهم ما يكفيهم من الطعام ﴿وَنَحْفَظُ﴾ من كلّ مكروه ﴿أَخانا﴾ بنيامين ﴿وَنَزْدادُ﴾ على كيل أحمال أباعرنا ﴿كَيْلَ بَعِيرٍ﴾ آخر بسبب حضوره عند الاكتيال ، فإنّ ﴿ذلِكَ﴾ الذي تحمله أباعرنا ﴿كَيْلَ﴾ وطعام ﴿يَسِيرٌ﴾ وقليل لا يكفي لحاجتنا ، أو ذلك الذي يعطينا الملك من الزيادة يسير وسهل عليه ، فانّه سخيّ كريم لا يضايقه من (٣) .
﴿قالَ﴾ يعقوب : ﴿لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ﴾ إلى مصر أبدا ﴿حَتَّى تُؤْتُونِ﴾ وتعطوني ﴿مَوْثِقاً﴾ وعهدا أكيدا منضما بالحلف بالله - أو بمحمد خاتم الأنبياء (٤) على قول - أو بالإشهاد (٥) أو بالإذن (٦)﴿مِنَ اللهِ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٢٨٩ ، عن كعب.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٢٩١.
(٣) في النسخة : منّا.
(٤) مجمع البيان ٥ : ٣٧٩.
(٥) تفسير الرازي ١٨ : ١٧١.
(٦) تفسير الرازي ١٨ : ١٧٠.