عِنْدِي﴾ من بعد أصلا فضلا عن إيفائه ﴿وَلا تَقْرَبُونِ﴾ ولا تدخلون عليّ ، بل لا تدخلون بلادي ، وإنّما قال ذلك لعلمه بأنّهم مضطرّون إلى المراجعة للامتيار ، ولكونه مأمورا من الله أن يطلب أخيه ، ليعظم أجر أبيه على فراقه.
﴿قالُوا﴾ ليوسف : ﴿سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ﴾ ونحتال في انتزاعه من يد أبيه ، ونجتهد فيه ﴿وَإِنَّا﴾ والله ﴿لَفاعِلُونَ﴾ ذلك غير مفرطين ولا متوانين في طاعة أمرك.
﴿وَقالَ﴾ يوسف بعد أخذ العهد من إخوته على إتيان بنيامين ، سرّا منهم ﴿لِفِتْيانِهِ﴾ ومماليكه الموكلين على بيع الطعام وأخذ الأثمان : ﴿اجْعَلُوا﴾ ودسّوا ﴿بِضاعَتَهُمْ﴾ ومتاعهم الذي أخذتموه منهم ثمنا للحنطة ﴿فِي رِحالِهِمْ﴾ وجواليقهم تفضّلا عليهم ، وإكراما لهم ، وحثا لهم على الرجوع ، وإعانة لهم على مؤنته ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ يطّلعون على مكرمتهم و﴿يَعْرِفُونَها﴾ ويراعون حقّها ﴿إِذَا انْقَلَبُوا﴾ ورجعوا ﴿إِلى أَهْلِهِمْ﴾ وأقاربهم ، وفتحوا جواليقهم ورأوا ردّ أمتعتهم إليهم تفضّلا وإحسانا ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ لشكرهم ذلك الإنعام يجدّون في الوفاء بالعهد و﴿يَرْجِعُونَ﴾ إلينا مع أخيهم بنيامين.
﴿فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا
لَهُ لَحافِظُونَ * قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ
خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٣) و (٦٤)﴾
فوضع الغلمان بضاعتهم في أوعيتهم خفية منهم ، ثمّ أذن لهم يوسف بالرجوع إلى وطنهم وأهلهم ﴿فَلَمَّا رَجَعُوا﴾ من مصر ﴿إِلى﴾ كنعان ودخلوا على ﴿أَبِيهِمْ﴾ يعقوب ﴿قالُوا﴾ له قبل فتح الأوعية واطّلاعهم على ردّ البضاعة : ﴿يا أَبانا﴾ أخذ منا العهد على أن نذهب ببنيامين معنا إلى مصر ، وإلّا ﴿مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ﴾ وحرمنا من الطعام فيما بعد ، و[ من ] رجوع شمعون إليك ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنا﴾ إلى مصر ﴿أَخانا﴾ بنيامين إذن ﴿نَكْتَلْ﴾ ما نشاء من الطعام ﴿وَإِنَّا﴾ والله ﴿لَهُ لَحافِظُونَ﴾ من كلّ آفة - ومكروه - ، وضامنون لسلامته وعوده إليك.
فامتنع يعقوب من إجابتهم ﴿قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ﴾ والحال أنه ليس تأمينكم على حفظه وردّه ﴿إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى﴾ حفظ ﴿أَخِيهِ﴾ يوسف وردّه إليّ ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ وما اعتمادي على قولكم في حفظه ورده إلّا كاعتمادي على قولكم في حفظ يوسف في الزمان السابق ، وقد قلتم في حقّه ما قلتم ، وفعلتم ما فعلتم ، فلا ينبغي الوثوق بعد ما رأيت منكم بقولكم وعهدكم في حفظه ، فإن ارسله معكم فلا اعتمد في حفظه إلّا على الله.