وقيل : لمّا أجدبت بلاد الشام وغلت أسعارها ، جمع يعقوب بنيه ، وقال لهم : اذهبوا إلى مصر ، واشتروا منها طعاما من العزيز. قالوا : يا نبي الله ، كيف يطيب قلبك بأن (١) ترسلنا إلى الفراعنة ، وأنت تعلم عداوتهم لنا ، ولا نأمن أن ينالنا منهم شرّ ؟ فقال : بلغني أنّه ولي أهل مصر ملك عادل ، فاذهبوا إليه ، وأقرئوه منّي السّلام ، فانّه يقضي حاجتكم ، ثمّ جهّز أولاده العشر ، وأرسلهم إلى مصر ، وكان بين مصر وكنعان ثماني - أو اثنى عشر - مراحل (٢) .
وعن القمي : ثمانية عشر يوما (٣) ، وكان يوسف أوّل من صنع القرطاس ، ومع ذلك أخفى الله أمر يوسف على يعقوب ، ولم يأذن ليوسف أن يخبره عن حاله إلى الأجل المعين.
القمي : كان الناس من الآفاق يخرجون إلى مصر ليمتاروا (٤) طعاما ، وكان يعقوب وولده نزولا في بادية فيها مقل ، فأخذ إخوة يوسف من ذلك المقل ، وحملوه إلى مصر ليمتاروا به ، وكان يوسف يتولّى البيع بنفسه (٥) .
﴿وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨)﴾
﴿وَجاءَ﴾ إذن ﴿إِخْوَةُ يُوسُفَ﴾ ممتارين في مصر ﴿فَدَخَلُوا عَلَيْهِ﴾ وهو في مجلس حكومته على زينة واحتشام ﴿فَعَرَفَهُمْ﴾ يوسف في أول نظرة لكمال فراسته ، وترصّده لمجيئهم ، وتقارب حال مفارقتهم وحال لقائهم ، وتشابه هيئاتهم وزيّهم في الحالين ﴿وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ غير عارفين به لبعد عهدهم منه - عن ابن عباس : كان بين أن قذفوه في البئر وبين أن دخلوا عليه أربعون سنة (٦) - ولتباين حاله عند مفارقتهم له ، لأنّه كان في سنّ الحداثة وغاية الضعف والحالة التي زاده عليها من الكبرو والسّلطان.
عن الباقر عليهالسلام : « لم يعرفه إخوته لهيبة الملك وعزّه » (٧) .
قيل : إنّهم رأوه على السرير ، وعليه ثياب الحرير ، وفي عنقه طوق من ذهب ، وعلى رأسه تاج من ذهب (٨) .
روي أنّهم كلّموه بالعبرانية ، فقال لهم : من أنتم ، وما شأنكم ؟ قالوا : نحن قوم من أهل الشام رعاة ، أصابنا الجهد فجئنا للميرة فقال : لعلكم جئتهم عيونا تنظرون إلى عورة بلادي ؟ قالوا : معاذ الله نحن إخوة بنو أب واحد ، وهو شيخ صدّيق نبي اسمه يعقوب. قال : كم أنتم ؟ قالوا : كنّا اثني عشر ، فهلك منّا
__________________
(١) في النسخة : فان ، ولم ترد في المصدر.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٢٨٥.
(٣) تفسير القمي ١ : ٣٤٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩.
(٤) زاد في النسخة : به.
(٥) تفسير القمي ١ : ٣٤٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩.
(٦) تفسير روح البيان ٤ : ٢٨٦.
(٧) تفسير العياشي ٢ : ٣٤٩ / ٢١١٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩.
(٨) تفسير الرازي ١٨ : ١٦٦.