﴿وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ﴾(١) .
عن ابن عباس : لمّا انصرمت السنة من يوم سأل يوسف الإمارة ، دعاه الملك فتوجّه وختمه بخاتمه ، وردّاه بسيفه ، ووضع له سريرا من ذهب مكلّلا بالدّرّ والياقوت طوله ثلاثون ذراعا وعرضه عشرة أذرع ، ليه ثلاثون فراشا ، فقال يوسف : أمّا السرير فأشدّ به ملكك ، وأمّا الخاتم فأدّبر به أمرك ، وأمّا التاج فليس من لباسي ولباس آبائي ، فقال الملك : فقد وضعته إجلالا لك ، وإقرارا بفضلك. فجلس عليه وأتت له الملوك (٢) .
وروي أنّ الملك لمّا عيّن يوسف لأمر الخزائن توفّى قطفير عزيز مصر في تلك الليالي (٣) .
﴿وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ
نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)﴾
ثمّ لمّا كانت رفعة مكان يوسف مستندة في الظاهر إلى الملك ، نبّه الله على أنّها كانت بقدرته وإنعامه عليه بقوله : ﴿وَكَذلِكَ﴾ التمكين العظيم ، ومثل هذا الإنعام الجسيم الذي على يوسف من تقريبنا إياه من الملك ، وتحبيبنا إياه في قلبه ﴿مَكَّنَّا لِيُوسُفَ﴾ وأقدرناه على إنفاذ ما أراد ﴿فِي﴾ تلك ﴿الْأَرْضِ﴾ والمملكة ، وهي أربعين فرسخا في أربعين على ما قيل (٤) ، فهو ﴿يَتَبَوَّأُ مِنْها﴾ وينزل من بلادها ﴿حَيْثُ يَشاءُ﴾ وأيّ مكان يريد ، لا يدافعه مدافع (٥) ، ولا ينازعه منازع ، رحمة منّا عليه ، وجزاء منّا على صبره على البلاء وتسليمه للقضاء وقيامه بوظائف العبودية ، فإنّا ﴿نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا﴾ وفضلنا ﴿مَنْ نَشاءُ﴾ أن نرحمه ونتفضّل عليه على حسب استعداده وقابليته وعمله ﴿وَلا نُضِيعُ﴾ ولا نبطل ﴿أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ وجزاءهم على إحسانهم من الصبر والقيام بوظائف العبودية.
﴿وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧)﴾
ثمّ بيّن سبحانه أفضلية الأجر الاخروي على الدنيوي بقوله : ﴿وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ﴾ والثواب الذي نعطيهم فيها ﴿خَيْرٌ﴾ وأفضل بمراتب من أجر الدنيا وثوابه فيها ، ولكن إنما يكون أجر الآخرة ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ووحدانيته ﴿وَكانُوا يَتَّقُونَ﴾ السيئات والقبائح ، وهم الأنبياء وأتباعهم.
قيل : إنّ يوسف أمر أهل كلّ قرية وبلدة بالاشتغال بالزّرع وترك غيره ، فلم يدعوا مكانا إلّا زرعوه
__________________
(١) تفسير العياشي ٢ : ٣٤٨ / ٢١١٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٧ ، والآية من سورة الأعراف : ٧ / ٦٨.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٢٨٣.
(٣) تفسير روح البيان ٤ : ٢٧٩.
(٤) تفسير أبي السعود ٤ : ٢٨٧ ، تفسير روح البيان ٤ : ٢٨٣.
(٥) في النسخة : دافع.