فأجابه بجميعها فتعجّب منه (١) .
قيل : لمّا دخل على الملك كان ابن ثلاثين سنة ، فلمّا رآه الملك شابا قال للساقي : هذا الذي علم تأويل رؤياي مع أنّ السحرة والكهنة ما علموها ؟ قال : نعم. فأقبل على يوسف وقال : إنّي أحبّ أن أسمع التعبير منك ﴿فَلَمَّا﴾ أجابه و﴿كَلَّمَهُ﴾ وعبّر عنده الرؤيا شفاها ، وشهد قلبه بصحّة تعبيره ﴿قالَ﴾ ليوسف : ﴿إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ﴾(٢) وذو منزلة رفيعة ﴿أَمِينٌ﴾ على كلّ شيء في مملكتي بحيث لا تتّهم.
قيل : لمّا عبّر يوسف رؤيا الملك بين يديه قال له الملك : فما ترى أيّها الصديق ؟ قال : أرى أن تزرع في هذه السنين المخصبة زرعا كثيرا ، وتأخذ من الناس خمس زروعهم ، وتذر الجميع في سنبله ، وتبني الخزائن ، وتجمع فيها الطعام ، فإذا جاءت السنين المجدبة تبيع الغلّات لأهل مصر ، وتحفظهم من المخمصة ، ويحصل لك مال عظيم. فقال الملك : من لي لهذا الشّغل (٣) .
﴿قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥)﴾
﴿قالَ﴾ يوسف : ﴿اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ﴾ هذه ﴿الْأَرْضِ﴾ وتلك المملكة ، وولّني أمرها من الايراد والحفظ والصرف ، وإنّما طلب الولاية لكونها وسيلة إلى هداية الناس ، ونفوذ قوله ، وقبول دعوته إلى الحقّ ، ونشر الأحكام الالهية ، ووضع الحقوق مواضعها ، وبسط العدل ، وإعانة الخلق وحفظهم من التلف في السنين المجدبة شفقة عليهم.
عن ابن عباس ، عن النبي صلىاللهعليهوآله في هذه الآية ، أنّه قال : « رحم الله أخي يوسف ، لو لم يقل : اجعلني على خزائن الأرض ، لاستعمله من ساعته ، لكنّه لمّا قال ذلك أخّره عنه سنة » (٤) .
ثمّ وصف نفسه بما يوجب أهليته لذلك بقوله : ﴿إِنِّي حَفِيظٌ﴾ لخزائنك من التلف والضّياع والصرف في غير المصرف ﴿عَلِيمٌ﴾ بوجوه التصرف فيها.
عن الرضا عليهالسلام : « حفيظ لما تحت يدي ، عليم بكلّ لسان » (٥) .
جواز تزكية المرء نفسه عند الاضطرار
عن الصادق عليهالسلام : « يجوز أن يزكّي الرجل نفسه إذا اضطرّ إليه ، أما سمعت قول يوسف : ﴿اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ وقول العبد الصالح :
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٢٧٧.
(٢) تفسير الرازي ١٨ : ١٥٩.
(٣) تفسير الرازي ١٨ : ١٦٠ ، تفسير روح البيان ٤ : ٢٧٨.
(٤) تفسير الرازي ١٨ : ١٦٠.
(٥) تفسير العياشي ٢ : ٣٤٨ / ٢١١٢ ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١٣٩ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٧.