بيوسف ، والمقصود اعتذارها ممّا صدر منها ، أو تأكيد تصديقها إياه.
ثمّ أنّه روي أنّ جبرئيل أتى يوسف في السجن وقال : قل اللهم اجعل لي من عندك فرجا ومخرجا ، وارزقني من حيث احتسب ومن حيث لا احتسب (١) ، فقبل الله دعاءه ، فعظم يوسف في عين الملك علما من حيث تعبيره الرؤيا ، وصبرا وثباتا من حيث عدم مبادرته إلى الخروج من السجن ، وأدبا من حيث عدم أمره للملك بالتفتيش للحقّ ، ومراعاة للحقوق من حيث عدم ذكره اسم زليخا مع علم الملك بأنّها أكثر النسوه إساءة إليه ، وعفّة من حيث ظهور براءته من التهمة مع وفور أسباب ارتكابه للزنا بمثل زليخا ، ونسيا لذكر الساقي نسبة له ، فلذا اشتاق إلى لقائه غاية الاشتياق.
﴿وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا
مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤)﴾
﴿وَقالَ الْمَلِكُ﴾ لخدمه : اذهبوا إلى يوسف و﴿ائْتُونِي بِهِ﴾ واحضروه لديّ ﴿أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ وأخصّه بقربي.
روي أنّ الرسول - وقيل : كان هو الساقي - قال ليوسف : قم إلى الملك متنظفا من درن السجن بالثياب النظيفة والهيئة الحسنة (٢) .
وقيل : إنّ الملك أرسل سبعين حاجبا على سبعين مركبا ، ومعهم تاج وثياب فاخرة إلى السجن ، فلمّا أتوه وضعوا التاج على رأسه ، وألبسوه الثياب النظيفة ، ثمّ قالوا : أجب الملك. فقام وودّع أهل السجن ودعا لهم ، وقال : اللهم اعطف قلوب الصالحين عليهم ، ولا تستر الأخبار عنهم ، فخرج من السجن وكتب على بابه : هذه منازل البلوى ، وقبور الأحياء ، وشماتة الأعداء ، وتجربة الأصدقاء. ثمّ اغتسل وتنظّف ولبس ثيابا جديدة ، وركب مركبا فارها مكلّلا بالدّر والجواهر ، فلمّا قرب من الملك استقبله وأكرمه غاية الإكرام (٣) .
روي أنّه لمّا دخل على الملك قال : اللهمّ إنّي سألك بخيرك من خيره ، وأعوذ بعزّتك وقوّتك من شرّه. ثمّ سلّم على الملك ودعا له بالعبرانية ، وكان يوسف يتكلّم باثنين وسبعين لسانا ، فلم يفهمها الملك فقال : ما هذا اللسان ؟ قال : لسان آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب. ثمّ كلّمه بالعربيّة فلم يفهمها الملك ، فقال : ما هذا اللسان ؟ قال : لسان عمّي إسماعيل ، وكان الملك يتكلّم بسبعين لسانا ، فكلّمه بها
__________________
(١) تفسير الرازي ١٨ : ١٥٨.
(٢) تفسير الرازي ١٨ : ١٥٩ ، تفسير روح البيان ٤ : ٢٧٧.
(٣) تفسير روح البيان ٤ : ٢٧٧.