يكن لأن اعاقب النسوة بما صدر منهن (١) بل ﴿لِيَعْلَمَ﴾ العزيز المنعم عليّ ﴿أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ﴾ في عرضه ﴿بِالْغَيْبِ﴾ وفي الخطأ منه ، أو لم أخن الملك ، فإنّ الخيانة بالوزير خيانة بالملك ﴿وَ﴾ ليعلم ﴿أَنَّ اللهَ لا يَهْدِي﴾ ولا ينفذ ﴿كَيْدَ الْخائِنِينَ﴾ ولا يجعله مؤثّرا في حصول المقصود ، بل يبطله كما أبطل مكائد زليخا حتّى أقرّت بأنّها خانت زوجها.
وقيل : إنه قال هذا الكلام في محضر الملك كما روي عن ابن عباس ، وإنما ذكره على لفظة الغيبة تعظيما للملك عن الخطاب (٢) .
وقيل : إنّ الآيه من تتمة كلام امرأة العزيز ، والمعنى أنّي وإن بالغت في إثبات الذنب على يوسف في حضوره إلّا أنّ ذلك الاعتراف منّي بذنبي ليعلم يوسف أنّي لم أخنه ولم أقل في حقّه خلاف الحقّ وهو في السجن ، ثمّ بالغت في تأكيد الحقّ بقولها : ﴿وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ﴾(٣) ولذا افتضحت أنا لأنّي كنت خائنة ، وإنه طهّر يوسف من الذنب وأخرجه من السجن ، لأنّه كان بريئا.
أقول : هذا في غاية البعد.
﴿وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ
رَحِيمٌ (٥٣)﴾
ثمّ قال يوسف تواضعا لله وهضما للنفس وتحديثا بانعام الله عليه بالتوفيق والعصمة : ﴿وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ ولا انزّهها عن السوء ولا ازكيها من الخطأ والذنب من حيث هي ومقتضى طبعها ﴿إِنَّ النَّفْسَ﴾ بجنسها وبذاتها والله ﴿لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ وباعثه إلى القبايح والشهوات لميلها إليها والتذاذها بها ﴿إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي﴾ من النفوس بعصمتها من الوقوع في الهلكات وارتكاب المنكرات ، وهي نفوس الأنبياء والأولياء المعصومين ، فانّها لا تميل إليها ، ولا تأمر بها.
وقيل : إنّ كلمة ﴿ما﴾ بمعنى الزمان ، والمعنى إلّا زمان رحمة ربي (٤) وعصمته لها بتقويته القوة العاقلة وإعلامها بحقائق الأشياء والأعمال.
وقيل : إنّ الاستثناء منقطع ، والمعنى ولكن رحمة ربي تصرفها عن السوء (٥) .
﴿إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ﴾ وستّار لخطايا النفوس ﴿رَحِيمٌ﴾ لها بعصمتها من الزلل.
قيل : هذه الآية أيضا بقية كلام زليخا (٦) ، والمعنى وما ابرئ نفسي من الخيانة بزوجي والإساءة
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٢٧٣.
(٢ و٣) تفسير الرازي ١٨ : ١٥٤.
(٤) جوامع الجامع : ٢١٩.
(٥) تفسير أبي السعود ٤ : ٢٨٦.
(٦) جوامع الجامع : ٢١٩.