﴿أَصْبُ﴾ وأميل ﴿إِلَيْهِنَ﴾ واوافق ميلهنّ وأقدم في إجابة مسؤولهن ﴿وَأَكُنْ﴾ بعملي هذا ﴿مِنَ الْجاهِلِينَ﴾ والسفهاء الذين لا ينظرون إلى سوء عواقب أعمالهم.
القمي رحمهالله : فما أمسى يوسف في ذلك البيت حتى بعثت إليه كلّ امرأة رأته تدعوه إلى نفسها ، فضجر يوسف في ذلك البيت فقال : ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ﴾(١) الآية.
قيل : عند ذلك بكت الملائكة رحمة له ، وهبط إليه جبرئيل فقال له : يا يوسف ، ربّك يقرئك السّلام ويقول لك : اصبر فإن الصبر مفتاح الفرج ، وله عاقبة (٢) محمودة (٣) .
قيل : إنّه لو قال ربّ العافية أحبّ إليّ ، لعافاه الله (٤) ، ولم يبتل بالسجن ﴿فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ﴾ دعاءه ومسألته ﴿فَصَرَفَ﴾ ودفع ﴿عَنْهُ﴾ برحمته ﴿كَيْدَهُنَ﴾ حسب دعائه ، وثبّته على العصمة والعفّة التي كان عليها حتّى وطّن نفسه على مقاساة السجن واختيار المحنة والشدّة على اللذّة والراحة ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿هُوَ السَّمِيعُ﴾ لدعاء الداعين له وتضرّع المتضرّعين إليه ﴿الْعَلِيمُ﴾ بما في قلوبهم من الخلوص وبما يصلحهم.
في ( العلل ) عن السجاد عليهالسلام : « كان [ يوسف ] من أجمل أهل زمانه ، فلمّا راهق راودته امرأة الملك عن نفسه ، فقال لها : معاذ الله إنّا من أهل بيت لا يزنون : فغلّقت الأبواب عليها وعليه. وقالت لا تخف ، وألقت نفسها عليه ، فأفلت منها هاربا إلى الباب ففتحه ، فلحقته فجذبت قميصه من خلفه فأخرجته منه ، فأفلت منها في ثيابه ، وألفيا سيدها لدى الباب ، قالت : ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلّا أن يسجن أو عذاب أليم.
قال : فهمّ الملك بيوسف ليعذبه فقال له يوسف : وإله يعقوب ، ما أردت بأهلك سوءا ، بل هي راودتني عن نفسي ، فسل هذا الصبي أيّنا راود صاحبه عن نفسه. قال : وكان عندها صبيّ من أهلها زائر لها ، فأنطق الله الصبي لفصل القضاء ، فقال : أيّها الملك ، انظر إلى قميص يوسف ، فان كان مقدودا من قدّامه فهو الذي راودها ، وإن كان مقدودا من خلفه فهي التي راودته.
فلمّا سمع الملك كلام الصبيّ وما اقتصّ ، أفزعه ذلك فزعا شديدا ، فجيء بالقميص فنظر إليه ، فلمّا رآه مقدودا من خلفه قال لها : إنه من كيدكنّ إنّ كيدكنّ عظيم. وقال ليوسف : أعرض عن هذا ولا يسمعه منك أحد واكتمه. قال : فلم يكتمه يوسف وأذاعه في المدينة حتّى قلن نسوة فيها : امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ، فبلغها ذلك فأرسلت إليهنّ وهيأت لهنّ طعاما ومجلسا ، ثمّ أتتهنّ بأترجّ ،
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٣٤٣ ، تفسير الصافي ٣ : ١٧.
(٢) في تفسير روح البيان : وعاقبته.
(٣ و٤) . تفسير روح البيان ٤ : ٢٥٢.