التي حضرت عندهنّ ، روي أنّ زليخا اتخذت لهنّ ضيافة عظيمة من أنواع الفواكه وألوان الأطعمة والأشربة ما لا يوصف (١) .
قيل : جاءت زليخا عند يوسف ، فالبسته حلّة خضراء ، وأرسلت ذوابته على صدره ، وشدّت في وسطه منطقة من الذهب ، وألبسته نعلين مزيّنين بالجواهر (٢) .
﴿وَقالَتِ﴾ له حين اشتغالهنّ باستعمال السكاكين في ما بأيديهنّ من الفواكه وأضرابها : ﴿اخْرُجْ﴾ يا يوسف ﴿عَلَيْهِنَ﴾ وابرز لهنّ ، فخرج عليهنّ لمّا لم يقدر على مخالفتها.
﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ﴾ بذلك الحسن الفائق والجمال الرائق الذي يضمحل عنده جمال كلّ جميل ، إذن ﴿أَكْبَرْنَهُ﴾ وأعظمنه ، ودهشن من فرط حسنه ، بحيث غفلن عن أنفسهن ، وخرجت أفعالهنّ عن اختيارهنّ ، ولم يعلمن ما يفعلن. وقيل : يعني حضن من شدّة الشّبق ليوسف (٣)﴿وَقَطَّعْنَ﴾ بالسكاكين ﴿أَيْدِيَهُنَ﴾ بدل الفواكه والأطعمة. عن وهب : ماتت جماعة منهنّ (٤) .
عن النبي صلىاللهعليهوآله ، قال : « رأيت في السماء الثانية رجلا صورته كالقمر ليلة البدر ، فقلت لجبرئيل : من هذا ؟ قال : أخوك يوسف » (٥) .
قيل : كان فضل يوسف على الناس في الفضل والحسن كفضل القمر ليل البدر على سائر الكواكب (٦) . وقيل : إنه إذا سار في أزقّة مصر ، يرى تلألؤ وجهه على الجدران ، كما يرى نور الشمس عليها (٧) . وقيل : كان يشبه آدم يوم خلقه ربه (٨) .
﴿وَ﴾ لذا ﴿قُلْنَ﴾ من فرط التعجّب من حسنه وكمال قدرة الله على الخلق : ﴿حاشَ لِلَّهِ﴾ ونزّه عن العجز حيث قدر على خلق مثل هذا الغلام الذي لا يتصوّر له نظير في الجمال والحسن.
ثمّ لمّا كان المركوز في الأذهان أنّ الملك أحسن المخلوقات بالغن في توصيف حسنه بقولهن : ما هذا الذي نراه ﴿بَشَراً﴾ ومن جنس بني آدم لعدم إمكان وجود هذه الدرجة من الحسن فيهم ، بل ﴿إِنْ هذا﴾ الجميل الذي لا نظير له ، وما هو ﴿إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ على ربّه.
قيل : إنّ النساء لمّا رأين غاية عفّته وكرامة نفسه قلن ذلك (٩) . فلمّا رأت زليخا دهشة النساء من رؤية يوسف ﴿قالَتِ﴾ اعتذارا من عشقها إياه وحبها له : ﴿فَذلِكُنَ﴾ الشاب الذي رأيتنه افتتنتنّ به هو العبد
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٢٤٦.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٢٤٦.
(٣) تفسير أبي السعود ٤ : ٢٧٢ ، تفسير روح البيان ٤ : ٢٤٧.
(٤) تفسير روح البيان ٤ : ٢٤٧.
(٥) مجمع البيان ٥ : ٣٥٣ ، تفسير الصافي ٣ : ١٦.
(٦) تفسير الرازي ١٨ : ١٢٧.
(٧ و٨) تفسير الرازي ١٨ : ١٢٧ ، تفسير روح البيان ٤ : ٢٤٨.
(٩) تفسير الرازي ١٨ : ١٢٨ ، مجمع البيان ٥ : ٣٥٣.