﴿تُراوِدُ فَتاها﴾ وتطالب مملوكها مواقعته لها وتخادعه ﴿عَنْ نَفْسِهِ﴾ وتحتال في تحصيل مقصودها القبيح منه ﴿قَدْ شَغَفَها﴾ ووصل ذلك الفتى إلى سويداء قلبها ﴿حُبًّا﴾ وعشقا ، وحاصل المراد أنّه تمكّن حبّه في قلبها بحيث شغلها عن غيره.
وقيل : إنّ المعنى أحاط بقلبها حبّه كإحاطة الشّغاف ، وهو الجلدة المحيطة بالقلب (١) .
وقيل : إن المعنى أنّ حبّه شقّ شغاف قلبها : ودخل فيه (٢) .
عن القمي ، عن الباقر عليهالسلام ، يقول : « قد حجبها حبّه عن الناس فلا تعقل غيره » (٣) .
﴿إِنَّا﴾ والله ﴿لَنَراها﴾ ونعلمها ، كعلمنا بالشيء بطريق المشاهده غائرة ﴿فِي ضَلالٍ﴾ وانحراف عن طريق العفاف والرّشد والصواب ﴿مُبِينٍ﴾ وظاهر ضلالها عند كلّ أحد ، أو مظهر بين الناس.
قيل : إنّما قلن : لنراها في ضلال ، ولم يقلن : إنّها في ضلال ، إشعارا بانّ حكمهنّ بضلالها عن علم ويقين ، لا عن ظنّ وتخمين ، وإعلانا بتنزّههنّ عمّا هي عليه (٤) .
قيل : لذا ابتلاهنّ الله بما عيّروها ، لأنّه ما عيّر أحد أخاه بذنب إلّا ارتكبه قبل أن يموت (٥) .
عن القمي : وشاع الخبر بمصر ، وجعلن النساء يتحدّثن بحديثها ، ويعذلنها (٦) ويذكّرنها (٧) .
﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ﴾ زليخا ﴿بِمَكْرِهِنَ﴾ وتعيّبهنّ إياها في الخفاء والسرّ ، كاخفاء الماكر مكره. وقيل : مكرهنّ إفشاؤهن سرّ زليخا (٨) ، فانّ إفشاء السرّ يسمى مكرا.
وقيل : إنّ النسوة كنّ مشتاقات لأنّ ينظرن إلى وجه يوسف ، فاحتلن تعييب زليخا في ذلك ، لأنهنّ عرفن أنّهن إذا قلن ما قلن عرضت زليخا عليهن يوسف ليظهر عذرها عندهن (٩) .
ولذا ﴿أَرْسَلَتْ﴾ زليخا خدمها ﴿إِلَيْهِنَ﴾ لتدعوهن لضيافتها ، إكراما لهنّ ، قيل : دعت أربعين امرأة ، منهنّ الخمس المذكورات (١٠) . عن القمي : بعثت إلى كلّ امرأة رئيسة فجمعتهن في منزلها (١١)﴿وَأَعْتَدَتْ﴾ وهيئت ﴿لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾ ونمارق يعتمدن عليها ، وقيل : إن المتّكأ هو الطعام ، أو الاترج ، أو الطعام المحتاج إلى القطع بالسكين (١٢) .
﴿وَآتَتْ﴾ وأعطت زليخا ﴿كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَ﴾ بعد الاتكاء ﴿سِكِّيناً﴾ : لقطع الفواكه أو الأطعمة
__________________
(١) تفسير الرازي ١٨ : ١٢٦. (٢) تفسير روح البيان ٤ : ٢٤٥.
(٣) تفسير القمي ١ : ٣٥٧ ، تفسير الصافي ٣ : ١٦. (٤) تفسير روح البيان ٤ : ٢٤٥.
(٥) تفسير روح البيان ٤ : ٢٤٥. (٦) في المصدر : ويعيرنها.
(٧) تفسير القمي ١ : ٣٤٣ ، تفسير الصافي ٣ : ١٦. (٨) تفسير الرازي ١٨ : ١٢٦ ، تفسير أبي السعود ٤ : ٢٧١.
(٩) تفسير الرازي ١٨ : ١٢٦. (١٠) تفسير أبي السعود ٤ : ٢٧١ ، تفسير روح البيان ٤ : ٢٤٦.
(١١) تفسير القمي ١ : ٣٤٣ ، تفسير الصافي ٣ : ١٦. (١٢) تفسير الرازي ١٨ : ١٢٧.