و﴿قالَ﴾ لزليخا : إن الأمر قد ظهر ﴿إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَ﴾ ومكركنّ أيتها النساء الماكرات ، لا من كيد يوسف ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ لأنّه أشدّ تاثيرا في النفوس من كيد الرجال ، وأعلق بالقلوب منه ، بل من كيد الشيطان لأنّه يوسوس مسارقة ، وهنّ يواجهن به الرجال ، فخجلت زليخا بعد انكشاف الأمر ، واستحيى العزيز وسكت.
ثمّ لمّا كان حليما قليل الغيرة ، محبّا لزليخا غاية الحبّ ، خائفا من أن يشتهر الأمر في الناس ، قال ليوسف : يا ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ﴾ واغمض ﴿عَنْ هذا﴾ الأمر واكتمه عن الناس ، ولا تحدّث به أحدا ، لأنّهم يعيّرونني إن سمعوا به ، ويا زليخا توبي ﴿وَاسْتَغْفِرِي﴾ الله ﴿لِذَنْبِكِ﴾ الذي ارتكبته ﴿إِنَّكِ كُنْتِ﴾ وصرت بسببه ﴿مِنَ﴾ جملة القوم ﴿الْخاطِئِينَ﴾ والمتعمّدين لفعل القبيح. قيل : إن تذكير الجمع لتغليب الذكور على الإناث (١) .
روي أنّ العزيز حلف أن لا يدخل عليها إلى أربعين يوما ، وأخرج يوسف من عندها ، وشغله بخدمة نفسه ، وبقيت زليخا لا ترى يوسف (٢) .
وقيل : إنّ الآية من كلام الشاهد (٣) ، وكان هو الصبيّ ، أو ابن عمّها.
﴿وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا
لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ
مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ
وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ * قالَتْ
فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ
يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٠) و (٣٢)﴾
ثمّ قيل : إن امرأة ساقي الملك وامرأة خبّازه وامرأة صاحب دوابّه وامرأة صاحب سجنه وامرأة حاجبه ، كنّ كثير المراودة مع زليخا : فاطّلعن على قضيتها مع يوسف ، فأفشين الخبر في نسوة مصر (٤) ، ﴿وَ﴾ عند ذلك ﴿قالَ نِسْوَةٌ﴾ كن ﴿فِي الْمَدِينَةِ﴾ وبلدة مصر ، أو المراد أنّ النسوة الخمس في المدينة [قلن] للنساء تشنيعا ولوما على زليخا : ﴿امْرَأَتُ الْعَزِيزِ﴾ مع جلالة شأنها وغاية خطرها
__________________
(١) تفسير الرازي ١٨ : ١٢٥ ، تفسير روح البيان ٤ : ٣٤٣.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٣٤٣.
(٣) تفسير الرازي ١٨ : ١٢٤.
(٤) مجمع البيان ٥ : ٣٥٢ ، تفسير الرازي ١٨ : ١٢٦.