وأجلسه في المهد ، وقال له : اشهد ببراءة يوسف : فقام الطفل من المهد فجعل يسعى حتى قام بين يدي العزيز (١)﴿وَشَهِدَ﴾ ببراءة يوسف ، مع أنه ﴿شاهِدٌ﴾ كان ﴿مِنْ أَهْلِها﴾ وأقاربها.
وعن ابن عباس : أن الشاهد كان صبيا انطقه الله تعالى في المهد (٢) .
وعن الصادق عليهالسلام : « ألهم الله عزوجل يوسف أن قال للملك : سل هذا الصبيّ في المهد ، فإنّه يشهد بأنّها راودتني عن نفسي. فقال العزيز للصبي : فأنطق الله الصبيّ في المهد » (٣) .
وقيل : كان لها ابن عمّ ، وكان رجلا حكيما ، واتّفق أنه كان مع العزيز في ذلك الوقت ، يريد أن يدخل عليها. فقال : فقد سمعنا الجلبة (٤) من وراء الباب ، وشقّ القميص ولا ندري أيّكما قدّام صاحبه (٥) ، ثمّ قال : انظروا إلى قميص يوسف ﴿إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ﴾ وشقّ ﴿مِنْ قُبُلٍ﴾ وقدّام ﴿فَصَدَقَتْ﴾ زليخا في أن يوسف أراد بها سوءا ﴿وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ﴾ في قوله : هي راودتني عن نفسي ﴿وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ﴾ وشقّ ﴿مِنْ دُبُرٍ﴾ وخلف ﴿فَكَذَبَتْ﴾ زليخا في قولها ورميها يوسف ﴿وَهُوَ مِنَ﴾ جملة ﴿الصَّادِقِينَ﴾ في رمي زليخا بمراودته عن نفسه ، لأنّه إن كان يوسف طالبا لها ومقبلا إليها ، فإما أن تقوم زليخا في قباله وتدفعه عن نفسها ، وإمّا أن تهرب منه ، ويتبعها يوسف ، ويسرع في المشي ، فيعثر بذيله ، وعلى أي تقدير لا بدّ أن ينشقّ قميص يوسف من قدّام ، وأما إن كانت زليخا طالبة له ، ويوسف هاربا منها ، فلا بدّ من أن ينشقّ قميصه من خلف ، لأنّها تتبعه وتجتذب قميصه من خلف.
واعترض عليه بأنّ شقّ القميص من خلف ليس له دلالة قطعية على براءة يوسف ، لاحتمال أنّه لمّا طلب منها الزنا غضبت عليه ، وأرادت إيذاءه فهرب منها ، وركضت خلفه وجذبته لتضربه ، فخرق قميصه من خلف.
وفيه : أنه كانت على تقدير كون الشاهد ابن عمها أمارات اخرى على صدقه :
منها : أنه عليهالسلام كان بحسب الظاهر عبدا ، والعبد يبعد أن يتجاسر على مولاه وزوجته.
ومنها : أنّهم رأوا زليخا زيّنت نفسها بأكمل الزينة التي لم تتزين بها إلى ذلك اليوم.
ومنها : أن إثار الشهوة كانت فيها متكاملة بصبرها على الزوج سنين متطاولة ، لأنّ زوجها كان عنينا.
ومنها : أنهم رأوا يوسف في غاية العفّة مدّة مديده ، إلى غير ذلك من القرائن.
ولذا ﴿فَلَمَّا رَأى﴾ العزيز أو ابن عمها ﴿قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ﴾ علم ببراءة يوسف وصدقه في قوله
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٢٤٠.
(٢) تفسير الرازي ١٨ : ١٢٣.
(٣) تفسير القمي ١ : ٣٤٣ ، تفسير الصافي ٣ : ١٥.
(٤) الجلبة : الصّياح والصّخب.
(٥) تفسير الرازي ١٨ : ١٢٣.