عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ
الْكاذِبِينَ * وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا
رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ
عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (٢٥) و (٢٩)﴾
ثمّ بيّن الله سبحانه شدّة طلب زليخا وشدّة امتناع يوسف من إجابتها بقوله : ﴿وَاسْتَبَقَا الْبابَ﴾ البرّاني وتسابقا إليه ، أما يوسف فللهرب من زليخا ، وأمّا زليخا فلصدّ يوسف عن الفرار والخروج.
وفي رواية : كانت الأقفال تتساقط والأبواب تفتح (١) ليوسف ، فلمّا بلغته زليخا اجتذبت قميصه من خلفه ، لتوقفه وتمنعه من الخروج ﴿وَ﴾ لذا ﴿قَدَّتْ﴾ وشقّت ﴿قَمِيصَهُ﴾ طولا ﴿مِنْ دُبُرٍ﴾ وخلف بالاجتذاب ﴿وَأَلْفَيا﴾ ووجدا العزيز الذي كان ﴿سَيِّدَها﴾ وزوجها ﴿لَدَى الْبابِ﴾ وهو يريد أن يدخل البيت كما قيل ، وقيل : إنه كان جالسا عند الباب مع تمليخا ابن عمّ زليخا (٢) ، وإنما قال سبحانه سيّدها لأنّ الزوج سيد المرأة ، ولم يكن سيد يوسف لأنّه لم يكن مالكه في الواقع.
ثمّ كأنّه قيل : ما قالت زليخا لسيدها عند ذلك ؟ فأجاب سبحانه بقوله : ﴿قالَتْ﴾ زليخا لسيدها تنزيها لنفسها : ﴿ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ﴾ وزوجتك ﴿سُوءاً﴾ أو فحشا ، وليس جزاؤه وعقوبته ﴿إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ﴾ ويحبس في المحبس ﴿أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ كالقتل بالسيف أو الضرب الشديد ، وقيل : إن كلمة ﴿ما﴾ استفهامية ، والمعنى أيّ شيء جزاؤه (٣) غير السجن أو العذاب الشديد ؟
قال العزيز : من أراد بك سوءا ؟ قالت زليخا : إنّي كنت نائمة في فراشي ، فجاء هذا الغلام العبرى ، وكشف عن ثيابي ، وراودني عن نفسي. فالتفت العزيز إلى يوسف ، وقال : يا غلام ، أهذا جزائي منك ؟ ! أنا أحسنت إليك ، وأنت تخونني (٤) ! ﴿قالَ﴾ يوسف تنزيها لعرضه وتبرئة لنفسه وحفظا لها من السجن والتعذيب : ﴿هِيَ راوَدَتْنِي﴾ لتخادعني ﴿عَنْ نَفْسِي﴾ وطالبتني مواقعتها ، وأنا امتنعت من إجابتها حتّى فررت منها.
قيل : إنّ العزيز قال : لا أقبل قولك إلا بالبرهان (٥) . وقيل : إنّه نظر إلى ظاهر حال (٦) زليخا وتظلّمها ، فأمر بأن يسجن يوسف ، فعند ذلك دعا يوسف بانزال براءته ، وكان لزليخا خال له ابن في المهد - ابن ثلاثة أشهر على رواية ، أو ابن أربعة على اخرى ، أو ابن ستة أشهر على ثالثة - فهبط جبرئيل إلى ذلك الطفل
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٤ : ٢٦٧ ، تفسير روح البيان ٤ : ٢٤٠.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٢٤٠.
(٣) جوامع الجامع : ٢١٦ ، تفسير روح البيان ٤ : ٢٤٠.
(٤ و٥) . تفسير روح البيان ٤ : ٢٤٠.
(٦) في تفسير روح البيان : قول.