قال الفخر الرازي : إن كلّ من له تعلّق بتلك الواقعة ، شهد ببراءة يوسف من المعصية ، فانّ الذين لهم تعلّق بتلك الواقعة يوسف والمرأة وزوجها والنسوة والشهود وربّ العالمين ، وكلّهم شهدوا ببراءته ، والشيطان أقرّ أيضا ببراءته من المعصية ، فاذا كان الأمر كذلك لم يبق لمسلم مجال التوقّف في هذا الباب.
أمّا ادّعاء يوسف ببراءته فقوله : ﴿هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي﴾(١) وقوله : ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾(٢) .
وأما المرأة فانّها اعترفت بذلك بقولها للنسوة : ﴿وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾(٣) وبقولها: ﴿الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾(٤) .
وأمّا زوج المرأة فبقوله : ﴿إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ* يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ﴾(٥) .
وأمّا الشهود فيقول الشاهد : ﴿إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾(٦).
وأمّا النسوة فبقولهنّ : ﴿امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾(٧) وقولهن : ﴿حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ﴾(٨) .
وأمّا شهادة الله فبقوله : ﴿كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾
وأمّا اقرار إبليس بذلك فبقوله : ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾(٩) فأقرّ بأنّه لا يمكنه إغواء العباد المخلصين.
ثمّ بيّن الله منّته على يوسف بقوله : ﴿كَذلِكَ﴾ الاراءة للبرهان أريناه ، ومثل ذلك التبصير بصّرناه فيما قيل ، أو مثل ذلك التثبّت
ثبّتناه ﴿لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ﴾ كلّه ، ومنه خيانة العزيز ، أو قتل زليخا ﴿وَالْفَحْشاءَ﴾ كان هو الزنا ، أو ما شابهه في شدّة القباحة.
ثمّ علّل ذلك اللّطف به بقوله : ﴿إِنَّهُ﴾ أحد ﴿مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ والمصطفين لعبادتي وطاعتي.
﴿وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما
جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ * قالَ هِيَ راوَدَتْنِي
__________________
(١) يوسف : ١٢ / ٢٦.
(٢) يوسف : ١٢ / ٣٣.
(٣) يوسف : ١٢ / ٣٢.
(٤) يوسف : ١٢ / ٥١.
(٥) يوسف : ١٢ / ٢٨ و٢٩.
(٦) يوسف : ١٢ / ٢٦.
(٧) يوسف : ١٢ / ٣٠.
(٨) يوسف : ١٢ / ٥١.
(٩) تفسير الرازي ١٨ : ١١٦ ، والآية من سورة ص : ٣٨ و٨٢ و٨٣.