والأشدّ : سنّ
الوقوف ، وهو ما بين ثلاثين وأربعين ؛ كما هو مرويّ عن ابن عبّاس .
وقيل : إنّه
كان نبيّا حين القي في الجبّ . وكان له ثماني عشرة سنة ، وهو الأشدّ ، لأنّه سن
الشّباب ، وهو ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين.
قيل إنّ زليخا
كانت أجمل نساء عصرها ، وكانت بنت جلموس سلطان المغرب ، فرأت ذات ليلة في المنام غلاما على أحسن
ما يكون من الحسن والجمال ، فسألت عنه ، فقال : أنا عزيز مصر ، فلمّا استيقظت
افتتنت بما رأت في الرّؤيا ، وأدّى ذلك إلى تغيّر حالها ، ولكنّها كتمت حالها عن
الأغيار دهرا. ثمّ تفطّن من في البيت من الجواري وغيرهنّ أنّ بها أمرا ، فقال بعض
: أصابتها عين ، وبعض : أصابها سحر ، وبعض : مسّها الجنّ ، وبعض : ابتلت بالعشق ،
ففتّش عن أمرها ، فما وجد فيها غير العشق ، وقد كان خطبها ملوك الأطراف ، فابت
إلّا عزيز مصر ، فجهّزها أبوها بما لا يحصى من العبيد والجواري والأموال ، وأرسلها
مع حواشيه إلى جانب مصر ، فاستقبلها العزيز بجمع كثير في زينة عظيمة ، فلمّا رأته
زليخا علمت أنّه ليس الذي رأته في المنام ، فأخذت تبكي وتتحسّر على ما فات من
المطلوب ، فسمعت هاتفا يقول : لا تحزني يا زليخا ، فإنّ مقصودك يحصل بواسطة هذا.
ثمّ لمّا دخلوا
مصر أنزلوا زليخا في دار العزيز بالعزّ والاحترام ، وهي في نفسها على آلام الفراق
، وكانت على هذه الحال سنين ، وبقيت بكرا لأنّ العزيز كان عنّينا ، ثمّ كان ما كان
من حسد إخوان يوسف عليه ، ووصوله إلى مصر بالعبوديّة ، فلمّا رأته زليخا علمت أنّه
هو الذي رأته في المنام ، فلمّا ورد يوسف في دار العزيز ملك سلطان العشق مملكة قلب
زليخا .
روي أنّ يوسف
كان يأوي إلى بستان في قصر زليخا يعبد الله فيه ، وكان قد قسّم نهاره ثلاثه أقسام
: ثلثا لصلواته ، وثلثا لبكائه ، وثلثا لذكر الله وتسبيحه ، فلمّا أدرك يوسف مبالغ
الرّجال ، طلبت منه الوقاع.
﴿وَراوَدَتْهُ﴾ وجاءت وذهبت عنده المرأة ﴿الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها﴾ لتخادعه ﴿عَنْ نَفْسِهِ﴾ وهو يهرب منها إلى البستان ، فلمّا طال ذلك عليها تغيّر
لونها واصفر وجهها ، فدخلت عليها دايتها فأخبرتها بذلك ، فأشارت عليها أن تبني له
بيتا مزيّنا بكلّ ما تقدر عليه من الزّينة والطّيب ، ليكون وسيلة إلى صحبة يوسف ،
فبنته ، فلمّا فرغ الصنّاع من عمله دعت العزيز ، فدخل فيه فأعجبه ، لكونه على اسلوب
عجيب ، وقال لها : سمّيه بيت السّرور ثمّ فرح ، فاستدعت يوسف فزينه بكلّ ما يمكن
من الزّينة ،
__________________