وتزيّنت هي أيضا ، وكانت بيضاء حسناء ، بين عينيها خال يتلألأ حسنا ، ولها أربع ذوائب قد نظمتها بالدّر والياقوت ، وعليها سبع حلل ، وأرسلت قلائدها على صدرها ، فجاءوا بيوسف ، فلمّا دخل عليها في البيت الأوّل أغفلته وأغلقته ، وراودته عن نفسه بكلّ حيلة ، فلم يجبها ، ثمّ أدخلته في البيت الذي يليه ، وراودته بكلّ ما يمكن ، فلم يساعدها يوسف ، ودفعها بكلّ ما قدر عليه ، ثمّ إلى أن انتهى إلى البيت السّابع (١)﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ﴾ السّبعة كلّها عليه ، بحيث لم يمكن فتحها عادة.
ثمّ دعته إلى نفسها ﴿وَقالَتْ﴾ له : ﴿هَيْتَ لَكَ﴾ وأقبل وأسرع إليّ - قيل : هذه الكلمة بالعبريّة : هيا لج (٢) ، فعرّبه القرآن - فامتنع يوسف من إجابتها ، و﴿قالَ مَعاذَ اللهِ﴾ وألتجئ إليه من أن أعصيه ، واضيع حقوقه ، وأكفر نعمه العظام عليّ.
ثمّ اعتذر أوّلا بأنّ هذا العمل كفران نعمة العزيز بقوله : ﴿إِنَّهُ رَبِّي﴾ ومنعمي ، وسيّدي الذي ﴿أَحْسَنَ مَثْوايَ﴾ وأكرمني غاية الكرامة ، ثمّ اعتذر ثانيا بأنّ في هذا العمل خسران الدّارين بقوله : ﴿إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ على أنفسهم بفعل القبيح ، وعلى منعميهم بالخيانة في عرضهم.
ويحتمل أن تكون كلمة ﴿مَعاذَ اللهِ﴾ حقيقة عرفيّة في إظهار الامتناع الشّديد ، وقوله ﴿إِنَّهُ رَبِّي﴾ علّة له ، وقوله ﴿إِنَّهُ لا يُفْلِحُ﴾ علّة للعلّة. ويكون حاصل المعنى : لا يكون ذلك العمل منّي أبدا ، لأنّ العزيز ربّي الذي أحسن إليّ بإكرام مثواي ، وحقّه أن لا أخونه في عرضه ، لأنّه ظلم في حقّه ، ولا يفلح الظالمون.
ويحتمل أن يكون ضمير ﴿إِنَّهُ رَبِّي﴾ راجعا إلى الله ، والمعنى : إنّ الله ربّي ومنعمي ، حيث أكرمني غاية الإكرام ، وعصيانه كفران نعمته ، وظلم في حقّه ، ولا يفلح الظّالم.
عن ابن عبّاس قال : كان يوسف إذا تبسّم رؤي النّور في ضواحكه ، وإذا تكلّم رؤي شعاع النّور في كلامه يذهب من بين يديه ، ولا يستطيع آدميّ أن ينعت نعته ، فقالت له : يا يوسف ، إنّما صنعت هذا البيت المزيّن لأجلك ، فقال يوسف : يا زليخا ، إنّي أخشى أن يكون هذا البيت الذي سمّيته بيت السّرور بيت الأحزان والثّبور ، وبقعة من بقاع جهنّم. فقالت زليخا : يا يوسف ، ما أحسن عينيك ! قال: هما أوّل شيء يسيل إلى الأرض من جسدي. قالت : ما أحسن وجهك ! قال : هو للتّراب يأكله. قالت : ما أحسن شعرك ! قال : هو أوّل ما ينتشر من جسدي. قالت : إن فراش الحرير مبسوط فقم واقض حاجتي ، قال : إذن يذهب نصيبي من الجنّة. قالت : إن طرفي سكران من محبّتك ، فارفع طرفك إلى
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٢٣٦.
(٢) تفسير الرازي ١٨ : ١١٣.