رؤياه (١) فجعلوا يؤذونه ويضربونه ، وكلّما لجأ إلى واحد منهم ضربه ، ولا يزدادون عليه إلّا غلظة وحنقا ، وهو يبكي وينادي : يا أبتاه ، ما أسرع ما نسوا عهدك ، وضيّعوا وصيّتك ، لو تعلم ما يصنع بابنك أولاد الإماء (٢) !
وقيل : إنّهم جرّوه على الأرض جائعا عطشانا ، حتّى أشرف على الهلاك (٣) .
وروي : أنّهم أتوا به غيظة (٤) أشجار فقالوا : نذبحه ونلقيه تحت [ هذه ] الشّجرة فيأكله الذّئب اللّيلة (٥) .
وقيل : إنّه أخذه روبيل فجلد به الأرض (٦) ، ووثب على صدره ، وأراد قتله ، ولوى عنقه ليكسره ، فنادى يوسف : يا يهودا - وكان أرفقهم به - اتّق الله وحل بيني وبين من يريد قتلي ، فأخذته الرّأفة والرّحمة ، فقال يهودا : ألستم قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه ؟ قالوا : بلى (٧) ، قال : ألقوه في غيابة الجبّ ، فسكن غضبهم.
﴿وَأَجْمَعُوا﴾ وعزموا واتّفقوا على ﴿أَنْ يَجْعَلُوهُ﴾ ويلقوه ﴿فِي غَيابَتِ الْجُبِ﴾ وقعره ، فأتوا به على رأس البئر الذي حفره شدّاد حين عمّر بلاد الاردنّ ، وكان على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب بكنعان ، وكان عمقها سبعين ذراعا ، وكان رأسها ضيّقا وأسفلها واسعا - على ما قيل (٨) ، وقيل : هو بئر ببيت المقدس (٩) - فنزعوا قميصه ليلطّخوه بالدّم الكذب ، فقال : يا إخوتاه ردّوا عليّ قميصي أتوارى به في حياتي ، ويكون كفني بعد مماتي ، فلم يفعلوا فتعلّق بثيابهم فنزعوها من يديه ، فدلّوه فيها بحبل مربوط على وسطه فتعلّق بشفيرها ، فربطوا يديه ، فلمّا بلغ نصفها قطعوا الحبل وألقوه فيها ليموت ، وكان في البئر ماء فسقط فيه ، ثمّ آوى إلى صخرة بجانب البئر ، فقام عليها وهو يبكي ، فنادوه فظنّ أنّها رحمة أدركتهم فأجابهم ، فأراد أن يرضخوه ، فمنعهم يهودا (١٠) .
وفي رواية عن السجّاد عليهالسلام : « وألقوه في البئر وهم يظنّون أنّه يغرق في الماء ، فلمّا صار في قعر الجبّ ناداهم : يا ولد رومين اقرأوا يعقوب منّي السّلام ، فلمّا سمعوا كلامه قال بعضهم لبعض : لا تزالوا من هاهنا حتّى تعلموا أنّه قد مات ، فلم يزالوا بحضرته حتّى أمسوا ورجعوا » (١١) .
وعن القمّي رحمهالله : فأدنوه من رأس الجبّ وقالوا له : انزع قميصك ، فبكى وقال : يا إخوتي [ لا]
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٢١٧.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٢٢٣.
(٣) تفسير روح البيان ٤ : ٢٢٣.
(٤) الغيظة : الموضع الكثير الشجر.
(٥) تفسير العياشي ٢ : ٣٣٥ / ٢٠٧٧ ، علل الشرائع : ٤٧ / ١.
(٦) جلد به الأرض : ضربها به.
(٧ و٨) تفسير روح البيان ٤ : ٢٢٣.
(٩) تفسير الرازي ١٨ : ٩٦.
(١٠) تفسير روح البيان ٤ : ٢٢٣.
(١١) تفسير العياشي ٢ : ٣٣٥ / ٢٠٧٧ ، علل الشرائع : ٤٧ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٨.