قيل : إنّ البلاء موكّل بالمنطق (١) .
ثمّ لمّا سمع الإخوة ذلك الكلام من أبيهم ، وكانوا يعلمون أنّ الخوف أقوى السّببين لامتناعه من الإجازة ، اقتصروا على دفعه و﴿قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ بيننا ﴿وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ ورجال أقوياء حافظون له ﴿إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ﴾ وهالكون ضعفا وعجزا ، أو مستحقّون للهلاك لعدم الخير في حياتنا ، أو لأن يدعى علينا بالخسار والدّمار ، أو مغبونون بترك حرمة الوالد والأخ.
قيل : لمّا رأى يعقوب إلحاح بنيه في إخراج يوسف معهم إلى الصّحراء ، ومبالغتهم بالعهد واليمين ، ورأى ميل يوسف إلى التفرّج والتّفريح (٢) ، رضي بالقضاء وأذن لهم في إخراجه معهم ، فأمر أن يغسل بدن يوسف في طست كان أتى به جبرئيل إلى إبراهيم حين مجيء الفداء ، فأجرى فيه دم الكبش ، وأمر أن يرجّل شعره (٣) ويدهن بدهن إسماعيل الذي جاء به جبرئيل من الجنّة ، وأن يكحل ففعلوا (٤) .
وروي أنّ إبراهيم عليهالسلام لمّا القي في النّار وجرّد عن ثيابه ، أتاه جبرئيل بقميص من حرير الجنّة فألبسه إيّاه ، فدفعه إبراهيم إلى إسحاق ، وإسحاق إلى يعقوب ، فجعله يعقوب في تميمة (٥) وعلّقها في عنق يوسف. ثمّ شايعه إلى شجرة كانت على باب كنعان تسمّى بشجرة الوداع ، فضمّه إليه وودّعه وبكى بكاء شديدا ، فقال يوسف : لم تبكي يا أبة ؟ فقال : حزنا على فراقك ، وما أدري إلى ما تصير عاقبة أمرك. ثمّ قال : يا بني اوصيك بأربع ، فاجعلها نصب عينيك : يا بني ، لا تنس الله على كلّ حال ، فإنّه لا قرين خير من ذكر الله وشكره. وإذا وقعت في بليّة فاستعن بالله. وأكثر من قول : حسبي الله ونعم الوكيل ، فإنّه لمّا القي جدّك خليل الله في النّار قاله ، فدفع الله عنه ضرّ أصحاب نمرود وشرّهم ، وما أصابه حرّ النّار ، يا بني لا تنسني فإنّي لا أنساك. ثمّ بالغ في الوصيّة بحفظه إلى بنيه (٦) .
وعن السّجاد عليهالسلام : « لمّا خرجوا [ به ] من منزلهم لحقهم أبوهم مسرعا فانتزعه من أيديهم ، فضمّه إليه واعتنقه وبكى ، ثمّ دفعه إليهم » (٧) .
﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ﴾ وهم يحملونه على عواتقهم ، ويعقوب عليهالسلام ينظر إليهم ويبكي ، فأسرعوا في المشي مخافة أن يأخذه منهم ولا يدفعه إليهم ، فلمّا بعدوا عن العيون تركوا وصايا إبيهم ، فألقوه على الأرض وقالوا : يا صاحب الرّؤيا الكاذبة ، أين الكواكب التي رأيتهم لك ساجدين حتّى يخلّصوك من أيدينا اليوم ؟ قيل : لمّا حكى يوسف رؤياه سمعها بعض أزواج إخوته ، فحكتها لهم ، فاطّلعوا على
__________________
(١) تفسير الرازي ١٨ : ٩٧ ، تفسير روح البيان ٤ : ٢٢٢.
(٢) في تفسير روح البيان : والتنزه.
(٣) رجل شعره : سوّاه وزيّنه وسرّحه.
(٤) تفسير روح البيان ٤ : ٢٢٢.
(٥) التّميمة : ما يعلّق في العنق لدفع العين.
(٦) تفسير روح البيان ٤ : ٢٢٢.
(٧) تفسير العياشي ٢ : ٣٣٥ / ٢٠٧٧ ، علل الشرائع : ٤٧ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٨.