﴿قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً
يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١١) و (١٢)﴾
ثمّ أنّه لمّا اتّفقوا على رأي القائل جاءوا أباهم و﴿قالُوا﴾ مكرا واستعطافا واستنزالا له عن تصميمه على تحفّظه عنهم : ﴿يا أَبانا ما﴾ العذر ﴿لَكَ﴾ وأيّ داع يدعوك إلى أن ﴿لا تَأْمَنَّا عَلى﴾ أخينا ﴿يُوسُفَ﴾ ونحن بنوك ؟ ولم تخاف منّا عليه ؟ ﴿وَ﴾ الحال ﴿إِنَّا لَهُ﴾ والله ﴿لَناصِحُونَ﴾ وعليه لمشفقون ، لا نطلب إلّا خيره.
قيل : لمّا كان عادتهم أن يذهبوا إلى الرّعي (١) ، قالوا : ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً﴾ إلى الصّحراء ﴿يَرْتَعْ﴾ من الفواكه ، ويأكل منها كثيرا ﴿وَيَلْعَبْ﴾ بالاستباق والتّناضل ، وغيرهما ممّا يناسب الصّبيان ﴿وَإِنَّا لَهُ﴾ والله ﴿لَحافِظُونَ﴾ من المكاره والمضارّ والآفات ، فأكّدوا وعد حفظه بأنواع التّأكيدات.
﴿قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ *
قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ * فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا
أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا
يَشْعُرُونَ (١٣) و (١٥)﴾
ثمّ كأنّه قيل : هل قبل يعقوب قولهم وأجاب مسألتهم ؟ فقيل : لا ، بل ﴿قالَ﴾ يا بني ﴿إِنِّي﴾ والله ﴿لَيَحْزُنُنِي﴾ فراق يوسف ، ويؤلم قلبي ﴿أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ﴾ لقلّة صبري عنه ﴿وَ﴾ مع ذلك ﴿أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ﴾ لاشتغالكم بالرّعي والرّتع واللّعب ، وتهاونكم في حفظه.
قيل : إنّه عليهالسلام قال ذلك لأنّ الأرض كانت مذأبة (٢) . وروي أنّه عليهالسلام رأى في المنام كأنّه على رأس جبل ، ويوسف في الصّحراء ، فهجم عليه أحد عشر ذئبا ، فغاب يوسف بينهن (٣) . وقد لقّنهم عليهالسلام بتلك الحجّة.
عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : « لا تلقّنوا الكذب فيكذبوا ، فإنّ بني يعقوب لم يعلموا أنّ الذّئب يأكل الإنسان حتى لقّنهم أبوهم » (٤) .
وعن الصادق عليهالسلام : « قرّب يعقوب لهم العلّة فاعتلّوا بها في يوسف » (٥) .
__________________
(١) تفسير الرازي ١٨ : ٩٦.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٢٢١ ، والأرض المذأبة : الكثيرة الذئاب.
(٣) تفسير روح البيان ٤ : ٢٢١.
(٤) مجمع البيان ٥ : ٣٣١ ، تفسير الصافي ٣ : ٨.
(٥) علل الشرائع : ٦٠٠ / ٥٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٨.