مثله ، فإن فعلتم ذلك يقبل الله توبتكم ، و﴿يُرْسِلِ﴾ ويمطر ﴿السَّماءَ عَلَيْكُمْ﴾ برحمته ، حال كونه ﴿مِدْراراً﴾ ومتتابعا في أوقات الحاجة إليه ، فعند ذلك تكثر نعمكم وتوفر حظوظكم ﴿وَيَزِدْكُمْ﴾ مع ذلك ﴿قُوَّةً﴾ في الجسم ﴿إِلى قُوَّتِكُمْ﴾ التي تكون في الحال ، فلذا تتمكّنون من كمال الانتفاع بتلك النّعم ، فتجتمع لكم السّعادة الجسمانيّة والماليّة.
ثمّ أكّد أمره بالمعروف بنهيه عن المنكر بقوله : ﴿وَلا تَتَوَلَّوْا﴾ ولا تعرضوا عن نصحي وإرشادي لكم إلى خيركم ، حال كونكم ﴿مُجْرِمِينَ﴾ وعاصين لربّكم ، مستحقّين لعقوبة مليككم.
قيل : إنّهم كانوا أصحاب زروع وبساتين وعمارات ، حرّاصا عليها أشدّ الحرص ، وكانت بساتينهم في غاية اللّطف والبهجة ، وكانوا أحوج شيء إلى الماء ، وكانوا في غاية القوّة والبطش ، محفوظين بها من العدوّ ، مهيبين في كلّ ناحية (١) ، مفتخرين بكثرة المال والقوّة ، ولذا وعدهم هود بالزّيادة فيها.
﴿قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ
بِمُؤْمِنِينَ (٥٣)﴾
ثمّ أنّ القوم بعد ما سمعوا دعوة هود إلى التّوحيد ، وترغيبهم إلى التّوبة من الشّرك ﴿قالُوا﴾ تكذيبا له : ﴿يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ﴾ وما أقمت حجّة على نبوّتك ، وصدق قولك ﴿وَما نَحْنُ بِتارِكِي﴾ عبادة ﴿آلِهَتِنا﴾ وأصنامنا التي كنّا نلتزم بها تقليدا لآبائنا ، حال كون التّرك صادرا ﴿عَنْ﴾ مجرّد ﴿قَوْلِكَ﴾ بلا حجّة ولا معجزة دالّة على صدقه ﴿وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ ولقولك بمصدّقين.
﴿إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ
مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى
اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ
مُسْتَقِيمٍ (٥٤) و (٥٦)﴾
ثمّ لم يكتفوا بتكذيبه ، بل نسبوه إلى الجنون بقوله : ﴿إِنْ نَقُولُ﴾ في شأنك ﴿إِلَّا﴾ قولا خاصّا وصدقا ، وما نعتقد إلّا اعتقادا صائبا ، وهو أنّه ﴿اعْتَراكَ﴾ وأصابك ﴿بَعْضُ آلِهَتِنا﴾ وأصنامنا ﴿بِسُوءٍ﴾ وجنون ، لأنّك تشتمهم ، وتمنع عن عبادتهم ، وتحطّهم عن مقام الالوهيّة بقولك : ﴿ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ﴾ فلا اعتداد بقولك ، ولا ينبغي للعاقل تصديقك والإيمان بك.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ١٤٧.