وتكذيب كتابك ﴿فَاصْبِرْ﴾ على تكذيبهم وإيذائهم ، كما صبر نوح عليهالسلام سنين متطاولة على ذلك ، وابشر بأنّه كما كانت عاقبة صبر نوح النّصر والظّفر والفرح والسّرور ، تكون عاقبة صبرك كذلك ، بل نقول : ﴿إِنَّ الْعاقِبَةَ﴾ المحمودة في الدّنيا والآخرة ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ والمؤمنين الصّابرين كافّة ، [ سواءأ ] كانوا رسلا أو غيرهم. وفيه تسلية النبيّ صلىاللهعليهوآله والمؤمنين.
﴿وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ
مُفْتَرُونَ * يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَ فَلا
تَعْقِلُونَ (٥١)﴾
ثمّ أردف سبحانه قصّة نوح بقصّة هود ، ازديادا للاعتبار والتّسلية بقوله : ﴿وَإِلى عادٍ﴾ أرسلنا ﴿أَخاهُمْ﴾ ومن هو من قبيلتهم ، وكان اسمه ﴿هُوداً﴾ وهذه القبيلة كانت من العرب ، بناحية اليمن ، على ما قيل (١) .
ثمّ أنّه عليهالسلام دعاهم إلى التّوحيد ، و﴿قالَ﴾ لهم : ﴿يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ﴾ وحده ، فإنّه ﴿ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ﴾ ومعبود مستحقّ للعبادة ﴿غَيْرُهُ﴾ تعالى ، لدلالة جميع الموجودات على الوهيّته ووحدانيّته ﴿إِنْ أَنْتُمْ﴾ وما كنتم ﴿إِلَّا مُفْتَرُونَ﴾ وكاذبون في دعوى كون غيره شريكا له في الالوهيّة ، لظهور آثار الحدوث في غيره ، الدّالّة (٢) على كونه مخلوقا مثلكم.
ثمّ دفع توهّم طمعه في أموالهم ، استجلابا لقلوبهم بقوله : ﴿يا قَوْمِ﴾ إن تحترزوا من قبول قولي لتوهّمكم طمعي في أموالكم ، فاعلموا أنّي بعملي هذا من الدّعوة والهداية إلى التّوحيد ﴿لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً﴾ وعوضا من أموالكم ﴿إِنْ أَجْرِيَ﴾ وما عوض عملي ﴿إِلَّا عَلَى﴾ الله ﴿الَّذِي فَطَرَنِي﴾ وخلقني بقدرته ، أتنكرون توحيده ﴿أَ فَلا تَعْقِلُونَ﴾ أنّه حقّ لا محيص عنه بحكم العقل السّليم ؟ وإنّي بريء من الطّمع في أموالكم.
﴿وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ
قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢)﴾
ثمّ حثّهم على ترك الشّرك والتّوبة منه بقوله : ﴿وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا﴾ واسألوا ﴿رَبَّكُمْ﴾ ستر ما سلف من إشراككم به ﴿ثُمَّ تُوبُوا﴾ وارجعوا ﴿إِلَيْهِ﴾ بالنّدم على عصيانكم ، وبالعزم على عدم العود إلى
__________________
(١) تفسير الرازي ١٨ : ٩.
(٢) في النسخة : الدلالة.