قيل : لمّا خرج نوح عليهالسلام من السّفينة خاف من الشدّة وضيق المعاش ، لعلمه بفناء ما على الأرض ممّا ينتفع به البشر ، فبشّره الله بالسّلامة المستلزمة للأمن من الآفات ، والسّعة في العيش ، وبالبركات وهي الثّبات والبقاء ببقاء نسله ، حيث إنّه لم يكن معه إلّا نسله ، أو كان ولكن مات من لم يكن من نسله ، ولذا قالوا إنّه آدم الثاني (١) .
وعن الصادق عليهالسلام في رواية : « فنزّل نوح عليهالسلام بالموصل من السّفينة مع الثّمانين ، وبنوا مدينة الثّمانين ، وكانت لنوح ابنة ركبت معه السّفينة ، فتناسل النّاس منها ، وذلك قول النبيّ صلىاللهعليهوآله : نوح أحد الأبوين » (٢) .
ثمّ أنّه تعالى بعد تبشيره بحسن حال المؤمنين من ذريّته وذريّة من معه ، بيّن حال الكفّار منهم بقوله : ﴿وَأُمَمٌ﴾ وجماعات منهم ﴿سَنُمَتِّعُهُمْ﴾ في الدّنيا قليلا ﴿ثُمَّ يَمَسُّهُمْ﴾ ويصيبهم بعد الموت وفي الآخرة ﴿مِنَّا﴾ عقوبة على كفرهم وسوء أعمالهم ﴿عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ لا يقادر قدره.
قيل : إنّه لمّا رست السّفينة على الجوديّ كشف نوح عليهالسلام الطّبق الذي فيه الطّير ، فبعث الغراب لينظر هل غرقت البلاد ، وكم بقي من الماء ، فيأتيه بخبر الأرض ؟ فأبصر جيفة ، فوقع عليها واشتغل بها ولم يرجع ، ثمّ أرسل الحمامة فلم تجد موضعا في الأرض ، فجاءت بورق الزّيتون في منقارها ، فعرف نوح عليهالسلام أنّ الماء قد نقص ، وطهرت الأشجار ، ثمّ أرسلها فوقعت على الأرض ، فغابت رجلاها في الطّين قدر حمرتها ، فجاءت إلى نوح عليهالسلام فأرته ، فعرف أنّ الأرض قد ظهرت ، فبارك على الحمامة وطوّقها الخضرة التي في عنقها ، ودعا لها بالأمان ، فمن ثمّ تألف البيوت ، ودعا على الغراب بالخوف ، فلذلك لا يألف البيوت ، وتتشأّم العرب به » (٣) .
عن الصادق عليهالسلام : « لمّا حسر الماء عن عظام الموتى ، فرأى ذلك نوح عليهالسلام جزع جزعا شديدا واغتمّ لذلك ، فأوحى الله عزوجل [ إليه ] هذا عملك (٤) ، أنت دعوت عليهم ، فقال : يا ربّ إنّي أستغفرك وأتوب إليك. فأوحى الله إليه أن كل العنب الأسود ليذهب غمّك » (٥) .
وقيل : لمّا ارتفع الطّوفان قسّم نوح عليهالسلام الأرض بين أولاده الثّلاثة ، فأمّا سام فأعطاه بلاد الحجاز واليمن والشّام ، فهو أبو العرب ، وأمّا حام : فأعطاه بلاد السّودان ، فهو أبو السّودان ، وأمّا يافث فأعطاه بلاد المشرق ، فهو أبو التّرك » (٦) .
__________________
(١) تفسير الرازي ١٨ : ٦.
(٢) تفسير القمي ١ : ٣٢٨ ، تفسير الصافي ٢ : ٤٥١.
(٣) تفسير روح البيان ٤ : ١٤٢.
(٤) زاد في الكافي : بنفسك.
(٥) الكافي ٦ : ٣٥٠ / ٢ ، تفسير الصافي ٢ : ٤٥٤.
(٦) تفسير روح البيان ٤ : ١٤١.