لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ الّذين وعدتك بنجاتهم ؛ لأنّه لم يكن على دينك ﴿إِنَّهُ﴾ بذاته ﴿عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ﴾ وفيه مبالغة في ذمّه.
عن الصادق عليهالسلام : « أنّ الله قال لنوح عليهالسلام : ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ لأنّه كان مخالفا له ، وجعل من اتّبعه من أهله » (١) .
وفي رواية : « نفاه عنه حين خالفه في دينه » (٢) .
ثمّ أنّه تعالى بعد تنبيه نوح عليهالسلام بخطأه ، وأن ولده كان ممّن سبق عليه القول ، عاتبه على عدم تأمّله في حسن مطلوبه بقوله : ﴿فَلا تَسْئَلْنِي﴾ ولا تطلب منّي عمل ﴿ما لَيْسَ لَكَ بِهِ﴾ وبصلاحه وصوابه ﴿عِلْمٌ﴾ أجد مثل هذا السّؤال [ ليس ] من شأنك الرّفيع ومقامك المنيع عندي ، و﴿إِنِّي﴾ لحبّي لك وشفقتي عليك ﴿أَعِظُكَ﴾ وأنصحك كراهة ﴿أَنْ تَكُونَ﴾ في آن ﴿مِنَ الْجاهِلِينَ﴾ بعلوّ منزلتك المنافي للسّؤال الذي يكون تركه أولى وأفضل ، فإنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين.
﴿قالَ﴾ نوح معتذرا من تركه الأولى ، ومستغفرا من زلّته : ﴿رَبِّ إِنِّي﴾ لا أملك لنفسي أن أحفظها من مثل هذه الزلّات ، و﴿أَعُوذُ بِكَ﴾ وألتجئ إليك وإلى حفظك في بقيّة عمري من ﴿أَنْ أَسْئَلَكَ﴾ فيما بعد ﴿ما لَيْسَ لِي﴾ برضاك ﴿بِهِ﴾ وما صوّبته (٣) عندك ﴿عِلْمٌ﴾ فضلا عمّا أعلم فساده وعدم رضاك به ، فاغفر لي ما صدر منّي ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي﴾ زلّتي ﴿وَتَرْحَمْنِي﴾ بقبول توبتي ومعذرتي ﴿أَكُنْ﴾ ألبتّة ﴿مِنَ الْخاسِرِينَ﴾ أعمالا ، فإنّ الانصراف عن شكر نعمك ، والاشتغال بما ليس فيه رضاك ؛ كطلب نجاة من يستحقّ العذاب ، خسران ظاهر ، وغبن فاحش. وفيه غاية التّذلّل والاستكانة.
﴿قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ
سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨)﴾
وإنّما أخّر سبحانه ذكر نداء نوح عليهالسلام عن ذكر زوال الطّوفان مع كونه في بدوه ، رعاية للتّرتيب بين توبته واعتذاره ، وبين إظهار غاية لطفه به بأمره تعالى بنزوله من الفلك بسلام وبركات عليه وعلى أتباعه بقوله : ﴿قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ﴾ وانزل من الفلك على الأرض متلبّسا ﴿بِسَلامٍ﴾ وأمّن من الآفات والمكاره ، وحفظ كامل كائن ﴿مِنَّا﴾ أو تحيّة عظيمة من قبلنا ﴿وَبَرَكاتٍ﴾ كثيرة وخيرات نامية فائضة ﴿عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ﴾ وجماعات كثيرة مؤمنة متولّدة ومنشعبة ﴿مِمَّنْ مَعَكَ﴾
__________________
(١) تفسير العياشي ٢ : ٣١٢ / ٢٠٢٨ ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٧٥ / ٣ ، مجمع البيان ٥ : ٢٥٣ ، تفسير الصافي ٢ : ٤٥٠.
(٢) تفسير العياشي ٢ / ٣١٢ / ٢٠٢٨ ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٧٦ / ٣ ، تفسير الصافي ٢ : ٤٥١.
(٣) كذا ، والظاهر صوابيّته.