قليلا فربضت ، فنزل عنها فضربها حتّى كاد يهلكها فقامت فركبها ، فربضت [ فضربها ] ، فأنطقها الله تعالى فقالت : يا بلعم ، ويحك أين تذهب ، ألا ترى إلى هؤلاء الملائكة أمامي يردّونني عن وجهي ، فكيف تريد أن تذهب لتدعو على نبي الله وعلى المؤمنين ؟ ! فخلّى سبيلها ، وانطلق حتّى وصل إلى الجبل وجعل يدعو ، فكان لا يدعو بسوء إلّا صرف الله به لسانه على قومه ، ولا يدعو بخير إلّا صرف به لسانه إلى موسى. فقال له قومه : يا بلعم ، إنّما أنت تدعو علينا وتدعو له ، فقال : هذا والله الذي أملكه ، وأنطق الله به لساني.
ثمّ امتدّ لسانه حتّى بلغ صدره فقال لهم : والله قد ذهبت منّي الآن الدّنيا والآخرة ، فلم يبق إلّا المكر والحيلة ، فسأمكر لكم وأحتال ، حلّوا النّساء وزيّنوهنّ وأعطوهنّ الطّيب ، وأرسلوهنّ إلى العسكر ، وآمروهنّ لا تمنع امرأة نفسها عن رجل أرادها ، فإنّهم إن زنى منهم رجل واحد كفيتموهم ؛ ففعلوا.
فلمّا دخلت النّساء العسكر مرّت امرأة منهم برجل من عظماء بني إسرائيل ، فقام إليها وأخذ بيدها حين أعجبته بحسنها ، ثمّ أقبل بها إلى موسى عليهالسلام فقال له : إنّي لأظنّك أن تقول : هذه حرام ، قال : نعم ، هي حرام عليك ، لا تقربها ، قال : فو الله لا نطيعك في هذا. ثمّ دخل بها قبّته فوقع عليها ، فأرسل الله على بني إسرائيل الطّاعون في الوقت.
وكان فنحاص بن عازورا (١) صاحب أمر موسى عليهالسلام رجلا له بسطة في الخلق وقوّة في البطش ، وكان غائبا حين صنع ذلك الرّجل بالمرأة ما صنع ، فجاء والطاعون يجوس في بني إسرائيل ، فأخبر الخبر ، فأخذ حربته وكانت من حديد كلّها ، ثمّ دخل القبّة فوجدهما متضاجعين ، فدقّهما بحربته حتّى انتظمهما بها جميعا ، فخرج بهما يحملهما بالحربة وأعقابهما (٢) إلى السّماء ، والحربة قد أخذها بذراعه ، واعتمد بمرفقه ، وأسند الحربة إلى لحيته ، وجعل يقول : اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك ، فرفع الطاعون من حينئذ عنهم ، فحسب من هلك من بني إسرائيل في ذلك الطّاعون ، فوجدهم سبعين ألفا في ساعة من نهار ، وهو ما بين أن زنى الرّجل بها إلى أن قتل.
ثمّ أنّ موسى عليهالسلام وفتاه يوشع بن نون حاربوا أهل تلك البلدة وغلبوهم ، وقتلوا منهم وأسروا ، وأتوا ببلعم أسيرا فقتل ، وجاءوا بما قبل من العطايا الكثيرة وغنموها (٣) .
عن القمّي رحمهالله : نزلت في بلعم بن باعورا ، وكان من بني إسرائيل ، أوتي علم بعض الكتب (٤) .
وفي ( المجمع ) : عن الباقر عليهالسلام : « الأصل فيه بلعم ، ثمّ ضربه الله مثلا لكلّ مؤثر هواه على هدى الله
__________________
(١) في تفسير روح البيان : فخاض بن العيزار.
(٢) في تفسير روح البيان : بالحربة رافعا بهما.
(٣) تفسير روح البيان ٣ : ٢٧٧.
(٤) تفسير القمي ١ : ٢٤٨ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٥٣.