قبضة من تراب التّربة التي خلق منها آدم ، فصبّ فيها الماء العذب الفرات ، ثمّ تركها أربعين صباحا ، [ ثمّ صبّ عليها الماء المالح الاجاج فتركها أربعين صباحا ] ، فلمّا اختمرت الطّينة أخذها فعركها عركا شديدا ، فخرجوا كالذرّ من يمينه وشماله ، وأمرهم جميعا أن يقعوا في النّار ، فدخل أصحاب اليمين فصارت عليهم بردا وسلاما ، وأبى أصحاب الشّمال أن يدخلوها » (١)
وعن الباقر عليهالسلام أنّه سئل عن هذه الآية ، فقال : « أخرج من ظهر آدم ذريّته إلى يوم القيامة ؛ فخرجوا كالذرّ ، فعرّفهم نفسه ، [ وأراهم صنعه ](٣) ولو لا ذلك لم يعرف أحد ربّه » (٣) .
وعن الصادق عليهالسلام أنّه سئل : كيف أجابوا وهم ذرّ ؟ فقال : « جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه»(٤) .
وعنه عليهالسلام : « لمّا أراد الله أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه ، فقال لهم : من ربّكم ؟ فأوّل من نطق رسول الله صلىاللهعليهوآله وأمير المؤمنين والأئمّة عليهمالسلام فقالوا : أنت ربّنا ، فحمّلهم العلم والدّين. ثمّ قال للملائكة: [ هؤلاء حملة ديني وعلمي وامنائي في خلقي وهم المسؤولون. ثم قال لبني آدم : أقرّوا لله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالولاية والطاعة ، فقالوا : نعم ربنا أقررنا ، فقال الله للملائكة : ] اشهدوا ، فقال الملائكة : شهدنا [ على أن لا يقولوا غدا : إنا كنّا عن هذا غافلين ، أو يقولوا : إنما أشرك آباؤنا ] » (٥) .
وعن القمّي رحمهالله عنه عليهالسلام في هذه الآية ، أنّه سئل : معاينة كان هذا ؟ قال : « نعم ، فثبتت المعرفة ، ونسوا الموقف وسيذكرونه ، ولو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه ، فمنهم من أقرّ بلسانه في الذرّ ، ولم يؤمن بقلبه فقال الله : ﴿فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾(٦) .
أقول : نظائر هذه الأخبار كثيرة بحيث لو ادّعى أحد تواترها المعنوي أو الإجمالي لا يعدّ مجازفا ، فلا مناص من الالتزام والقول بوجود عالم الذرّ ، وعليه عامّة المفسّرين وأهل الأثر كما ادّعاه الفخر الرّازي ، ولا مجال لإنكاره وتأويل الأخبار بما نقله الفخر عن أصحاب النّظر وأرباب المعقولات من أنّه تعالى أخرج الذرية من أصلاب آبائهم ، وذلك الإخراج أنّهم كانوا نطفة ، فأخرجها الله تعالى في أرحام امّهاتهم ، وجعلها علقة ثمّ مضغة ، ثمّ جعلهم بشرا سوّيا وخلقا كاملا ، ثمّ أشهدهم على أنفسهم بما ركّب فيهم من دلائل وحدانيّته وعجائب خلقه وغرائب صنعه ، فبالإشهاد صاروا كأنّهم قالوا : بلى ،
__________________
(١) تفسير العياشي ٢ : ١٧٣ / ١٦٥٢ ، الكافي ٢ : ٥ / ٢ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٥٢.
(٢) في تفسير العياشي : وأراهم نفسه ، وفي الكافي : فعرفهم وأراهم نفسه.
(٣) تفسير العياشي ٢ : ١٧٣ / ١٦٥٤ ، الكافي ٢ : ١٠ / ٤ ، التوحيد : ٣٣٠ / ٩ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٥٢.
(٤) تفسير العياشي ٢ : ١٧٠ / ١٦٤٧ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٥٢.
(٥) الكافي ١ : ١٠٣ / ٧ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٥٢.
(٦) تفسير القمي ١ : ٢٤٨ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٥٢ ، والآية من سورة يونس : ١٠ / ٧٤.