وقلنا لهم : ﴿خُذُوا﴾ يا بني إسرائيل ﴿ما آتَيْناكُمْ﴾ من الكتاب والأحكام التي فيه ﴿بِقُوَّةٍ﴾ وجدّ وعزيمة على تحمّل المشاقّ ﴿وَاذْكُرُوا﴾ واحفظوا ﴿ما فِيهِ﴾ من الأحكام والعهود ، بالعمل والوفاء بها ، ولا تتركوها كالمنسيّ ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ رذائل الخصال ، وسيّئات الأعمال ، وعذاب الله المتعال.
﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ
أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ *
أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ
الْمُبْطِلُونَ * وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٧٢) و (١٧٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر أخذ الميثاق من بني إسرائيل على العمل بالتّوراة ، ذكر أخذه الميثاق من بني آدم في عالم الذرّ على الإقرار بتوحيده ورسالة رسله بقوله : ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ﴾ وأخرج ﴿مِنْ بَنِي آدَمَ﴾ أعني ﴿مِنْ ظُهُورِهِمْ﴾ وأصلابهم ﴿ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ ونسلهم طبقة ، بعد طبقة كما يتوالدون في الدّنيا ﴿وَأَشْهَدَهُمْ﴾ وأخذ الإقرار منهم ﴿عَلى أَنْفُسِهِمْ﴾ بتوحيده وربوبيّته ، بأن قال لهم تقريرا : ﴿أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ ومالك أمركم ، والمتصرّف فيكم إيجادا وإعداما وتدبيرا ، لا شريك لي ولا ندّ ؟ ﴿قالُوا بَلى شَهِدْنا﴾ وأعترفنا بربوبيّتك ووحدانيّتك.
في أخذ الاقرار بالتوحيد في عالم الذرّ
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « لمّا خلق الله آدم مسح ظهره ، فسقط من ظهره كلّ نسمة من ذريّته إلى يوم القيامة » (١) .
وعن مقاتل : أنّ الله مسح صفحة ظهر آدم اليمنى فخرجت منه ذريّة بيضاء كهيئة الذرّ تتحرّك ، ثمّ مسح صفحة ظهره اليسرى فخرجت منه ذريّة سوداء كهيئة الذرّ ، فقال : يا آدم ، هؤلاء ذريّتك. ثم قال : ﴿أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى﴾ فقال للبيض : هؤلاء في الجنّة برحمتي ، وهم أصحاب اليمين ، وقال للسّود : هؤلاء في النّار ولا ابالي ، وهم أصحاب الشّمال وأصحاب المشئمة. ثمّ أعادهم جميعا في صلب آدم ، فأهل القبور محبوسون حتّى يخرج أهل الميثاق كلّهم من أصلاب الرّجال وأرحام النّساء ، وقال تعالى في من نقض العهد الأوّل : ﴿وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ﴾(٢) .
وعن ابن عبّاس : أنّه أبصر آدم في ذريّته قوما لهم نور فقال : يا ربّ ، من هم ؟ فقال : الأنبياء (٣) الخبر.
وعن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن هذه الآية ، فقال وأبوه يسمع : « حدّثني أبي أنّ الله عزوجل قبض
__________________
(١) تفسير الرازي ١٥ : ٤٦.
(٢) تفسير الرازي ١٥ : ٤٦ ، والآية من سورة الأعراف : ٧ / ١٠٢.
(٣) تفسير الرازي ١٥ : ٤٧.