مِيثاقُ الْكِتابِ﴾ والعهد المؤكّد في التّوراة ؛ وهو ﴿أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ﴾ قولا ﴿إِلَّا﴾ القول ﴿الْحَقَ﴾ والصّدق ، ولا يعملوا عملا إلّا ما وافق أحكام التّوراة ، فلم يقولون للنّاس : إنّ العلائم التي ذكرها الله في كتابه تخالف صفات محمّد صلىاللهعليهوآله ، وإنّه سيغفر الله لنا ذنوبنا ، ويصرّون على العصيان والباطل ، ﴿وَ﴾ الحال أنّهم ﴿دَرَسُوا﴾ الكتاب وقرأوا ﴿ما فِيهِ﴾ من الأحكام ، وعلائم النبيّ ، والعهد المؤكّد على أن يعملوا به ولا يخالفوه ولا يحرّفوه.
ثمّ أنّه تعالى بعد العتاب والتّوبيخ وجّه الخطاب إلى هؤلاء المحرّفين الرّاغبين إلى الدّنيا ، ووعظهم بقوله : ﴿وَالدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ والجنّة العالية ، والنّعم الباقية فيها ﴿خَيْرٌ﴾ وأنفع من أعراض الدّنيا وجمع ما فيها ، ومن الواضح أنّها ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ ويحترزون من الكفر والمعاصي ﴿أَ فَلا تَعْقِلُونَ﴾ ولا تدركون تلك الخيريّة والاختصاص.
﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (١٧٠)﴾
ثمّ لمّا مدح الله اليهود الذين عملوا بالتّوراة ولم يحرّفوه ، وآمنوا بالنبيّ الامّي ، وعدهم بالثوّاب بقوله : ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ﴾ ويعملون ﴿بِالْكِتابِ﴾ ويلتزمون بجميع ما فيه من الأحكام وعلائم النبي ، ويؤمنون به ، وعملوا بأحكام شريعته ﴿وَأَقامُوا الصَّلاةَ﴾ التي هي عمدتها ، نعطيهم اجورهم ﴿إِنَّا لا نُضِيعُ﴾ ولا نبطل ﴿أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ وثوابهم.
قيل : هم عبد الله بن سلام وأضرابه ، فإنّهم تمسّكوا بالتّوراة التي جاء بها موسى عليهالسلام فلم يحرّفوها ، ولم يكتموها ، ولم يتّخذوها مأكلة (١) .
وقيل : إنّ المراد : امّه محمّد صلىاللهعليهوآله ، والكتاب : القرآن (٢) .
﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ
وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧١)﴾
ثمّ بيّن الله كيفيّة أخذ الميثاق بالعمل بالتّوراة بقوله : ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا﴾ وقلعنا ﴿الْجَبَلَ﴾ - وهو الطّور - من موضعه ، ورفعناه ﴿فَوْقَهُمْ﴾ وأوقفناه على رؤوسهم ﴿كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ﴾ وسقيفة - كما عن ابن عبّاس (٣) - ﴿وَظَنُّوا﴾ وقوى في نفوسهم ﴿أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ﴾ وساقط عليهم إن لم يلتزموا بالتّوراة والعمل بما فيها ،
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٣ : ٢٨٨ ، تفسير روح البيان ٣ : ٢٧٠.
(٢) تفسير روح البيان ٣ : ٢٧٠.
(٣) تفسير الرازي ١٥ : ٤٥.