كيد المنافقين ، وأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله بإحراق مسجد ضرار ، وأنزل الله تعالى ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً ...﴾ الآيات.
ثمّ ذكر أنّ أبا عامر الرّاهب كان عجل هذه الامّة كعجل قوم موسى ، وأنّه دمّر الله عليه وأصابه بقولنج وبرص [ وفالج ] ولقوة (١) وبقي أربعين صباحا في أشدّ عذاب ، ثمّ صار إلى عذاب الله » (٢) . وقيل : إنّه مات بالشّام طريدا وحيدا (٣) .
وقيل : إنّه أمر الرّسول صلىاللهعليهوآله مالك بن الدخشم (٤) ومعن بن عديّ بخراب المسجد وإحراقه ، فألقوا فيه النّار فاحترق بعض من فيه (٥) .
قيل : إنّ مجمع بن جارية (٦) كان إمام مسجد ضرار ، ثمّ جاء إلى عمر وطلب منه إمامة مسجد قبا ، قال عمر : لا ، إنّك كنت إمام مسجد ضرار ، قال مجمع : مهلا لا تعجل عليّ ، إنّي كنت في ذلك الزّمان شابّا وكان المصلّون فيه شيوخا ، وكنت قارئا للقرآن وهم لا يعلمون منه شيئا ، وما كنت مطّلعا على أحوالهم ، ولو كنت مطّلعا ما أقمت معهم ساعة ، فقبل عمر عذره وأعطاه إمامة مسجد قبا(٧) .
ثمّ قيل : لمّا رجع النبيّ صلىاللهعليهوآله من تبوك همّ أن يذهب إلى مسجد ضرار ، فنهاه الله عنه (٨) بقوله :
﴿لا تَقُمْ﴾ يا محمّد للصّلاة ﴿فِيهِ أَبَداً﴾ والله ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ﴾ وبني ﴿عَلَى التَّقْوى﴾ وخلوص النيّة والأغراض الخيريّة ﴿مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ بني - عنهما عليهماالسلام : يعني مسجد قبا (٩) - ﴿أَحَقُ﴾ وأولى ﴿أَنْ تَقُومَ﴾ للصّلاة ﴿فِيهِ﴾ من أن تقوم للصّلاة في مسجد اسّس على العصيان والضّرر على المسلمين.
روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا هاجر من مكّة وقدم قرية قبا - وهي قرية بقرب المدينة على نصف فرسخ - نزل في بني عمرو بن عوف ؛ وهم بطن من الأوس ، على كلثوم بن هرم (١٠) ، وكان شيخ بني عمرو بن عوف ، أسلم قبل وصول الرّسول صلىاللهعليهوآله إلى قبا أو بعده - على خلاف فيه - فلمّا نزل قال عمّار بن ياسر : لا بدّ لرسول الله من أن يجعل له مكان يستظلّ به إذا استيقط ويصلّي فيه ، فجمع
__________________
(١) القولنج : مرض معويّ مؤلم يصعب معه خروج البراز والريح ، وسببه التهاب القولون ، والبرص : بياض يقع في الجسد لعلّة ، واللّقوة : داء يعرض للوجه ، يعوجّ منه الشدق إلى أحد جانبي العنق ، فيخرج البلغم والبصاق من جانب واحد ، ولا يحسن التقار الشفتين ، ولا تنطبق إحدى العينين.
(٢) التفسير المنسوب إلى الامام العسكري عليهالسلام : ٤٨١ - ٤٨٨ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٧٦.
(٣) تفسير البيضاوي ١ : ٤٢١ ، تفسير روح البيان ٣ : ٥٠٦.
(٤) في النسخة : مالك بن الدحثم ، تصحيف ، راجع : اسد الغابة ٤ : ٢٧٨.
(٥) تفسير مجمع البيان ٥ : ١١٠.
(٦) في النسخة : مجمع بن حارث ، تصحيف ، راجع : اسد الغابة ٤ : ٣٠٣.
(٧) الكشاف ٢ : ٣١٢.
(٨) تفسير الرازي ١٦ : ١٩٥.
(٩) تفسير العياشي ٢ : ٢٦٢ / ١٩٠٥ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٧٩.
(١٠) في النسخة : كلثوم بن الهند ، وفي تفسير روح البيان : كلثوم بن الهدم ، تصحيف ، راجع : اسد الغابة ٤ : ٢٥١.